منتديات الفرسان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الشيخ على طنطاوى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
غادة الأشواك
فارس(ة) محترف
فارس(ة) محترف
غادة الأشواك


عدد الرسائل : 864
الدولة : الشيخ على طنطاوى 3dflagsdotcom_egypt_2fawm
السٌّمعَة : 0
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 12/08/2007

الشيخ على طنطاوى Empty
مُساهمةموضوع: الشيخ على طنطاوى   الشيخ على طنطاوى Empty2008-01-22, 9:56 pm

يعد الشيخ علي الطنطاوي قوة فكرية من قوى الأمة الإسلامية، ونبعا نهل منه طالبو العلم، والأدب في كل مكان، كان قلمه مسلطا كالسيف سيالاً كأعذب الأنهار وأصفاها، رائعة صورته، مشرقٌ بيانه، وفي ذلك يقول عن نفسه ((أنا من "جمعية المحاربين القدماء" هل سمعتم بها؟ كان لي سلاح أخوض به المعامع، وأطاعن به الفرسان، وسلاحي قلمي، حملته سنين طوالاً، أقابل به الرجال، وأقاتل به الأبطال، فأعود مرة ومعي غار النصر وأرجع مرة أمسح عن وجهي غبار الفشل. قلم إن أردته هدية نبت من شقه الزهر، وقطر منه العطر وإن أردته رزية حطمت به الصخر، وأحرقت به الحجر، قلم كان عذبا عند قوم، وعذاباً لقوم آخرين)).ـ

ولد الشيخ علي الطنطاوي في مدينة دمشق في 23 جمادى الأولى 1327 هـ ((12 يونيو 1909 م)) من أسرة علم ودين، فأبوه الشيخ مصطفى الطنطاوي من أهل العلم، وجده الشيخ محمد الطنطاوي عالم كبير، وخاله الأستاذ محب الدين الخطيب الكاتب الإسلامي الكبير والصحافي الشهير.ـ

تفتح وعيه على قنابل الحلفاء تدك عاصمة الأمويين وفلول الأتراك تغادر المدينة وديار الشام مقفرة بعد أن عز الطعام وصارت أوقية السكر (200 غرام) بريال مجيدي كان يكفي قبل الحرب لوليمة كبيرة. وكان أول درس قاس تعلمه وعاشه تفكك الدولة العثمانية وتحول ولاياتها السابقة إلى دويلات. فسوريا أصبحت أربع دول: واحدة للدروز والثانية للعلويين، والثالثة في دمشق والرابعة في حلب.ـ

كان الفتى علي الطنطاوي وقتها مازال تلميذا في المدرسة لكن وعيه كان يسبق سنه، فعندما أعلن في مدرسته عن المشاركة في مسيرة لاستقبال المفوض السامي الجديد الجنرال ويفان الذي حل محل الجنرال غورو، رفض ذلك وألقى خطبة حماسية، قال فيها: ((إن الفرنسيين أعداء ديننا ووطننا ولا يجوز أن نخرج لاستقبال زعيمهم)).ـ

لله درك يا فتى أدركت ما لم يدركه الكبار، فكيف تستقبل أمة عدوها الذي سلبها حريتها وكيف تنسى ما قاله قائد هذا العدو بعد معركة ميسلون ودخول الشام عندما زار الجنرال غورو قبر صلاح الدين وقال له: ها نحن عدنا يا صلاح الدين.. الآن انتهت الحروب الصليبية.ـ

تلك المعركة التي كانت نقطة تحول في وعي الفتى علي الطنطاوي، فقد خرج منها بدرس ممهور بدماء الشهداء واستقلال الأمة.. درس يقول إن الجماهير التي ليس عندها من أدوات الحرب إلا الحماسة لا تستطيع أن ترد جيشا غازيا. أصبح الاحتلال الفرنسي واقعا جديدا في سوريا، وغدا حلم الدولة المستقلة أثراً بعد عين، وكما حدث في كل بقاع العالم الإسلامي كان العلماء رأس الحربة قي مواجهة المحتل وتولى الشيخ بدر الدين الحسيني شيخ العلماء في مدن سوريا قيادة ثورة العلماء الذين جابوا البلاد يحرضون ضد المستعمر، فخرجت الثورة من غوطة دمشق وكانت المظاهرات تخرج من الجامع الأموي عقب صلاة الجمعة فيتصدى لها جنود الاحتلال بخراطيم المياه ثم بالرصاص، والشاب علي الطنطاوي في قلب من تلك الأحداث.ـ

خطيب المقاومة

في أحد الأيام كان على موعد لصلاة الجمعة في مسجد القصب في دمشق فقال له أصحابه: إن المسجد قد احتشد فيه جمهور من الموالين للفرنسيين واستعدوا له من أيام وأعدوا خطباءهم فرأينا أنهم لا يقوى لهم غيرك، فحاول الاعتذار فقطعوا عليه طريقه حين قالوا له إن هذا قرار الكتلة ((كان مقاومو الاحتلال ينضوون تحت لواء تنظيم يسمى الكتلة الوطنية وكان الطنطاوي عضوا فيها)) فذهب معهم وكان له صوت جهور، فقام على السّدة مما يلي ((باب العمارة)) ونادى: إليّ إليّ عباد الله، وكان نداء غير مألوف وقتها، ثم صار ذلك شعاراً له كلما خطب، فلما التفوا حوله بدأ ببيت شوقي:ـ

وإذا أتونا بالصفوف كثيرة * * * جئنا بصف واحد لن يكسرا

وأشار إلى صفوفهم المرصوصة وسط المسجد، وإلى صف إخوانه القليل، ثم راح يتحدث على وترين لهما صدى في الناس هما الدين والاستقلال، فلاقت كلماته استحساناً في نفوس الحاضرين، وأفسدت على الآخرين أمرهم، وصرفت الناس عنهم. ولما خرج تبعه الجمهور وراءه، وكانت مظاهرة للوطن لا عليه.ـ

في 1928 دعاه خاله محب الدين الخطيب للقدوم إلى مصر وكان قد أصدر مجلة "الفتح" قبل ذلك بعامين فسافر علي الطنطاوي إلى مصر للدراسة في كلية دار العلوم، لكن المناخ الثقافي في مصر في ذلك الحين شده للانخراط في العمل الصحفي الذي كان يشهد معارك فكرية وسجالات أدبية حامية الوطيس حول أفكار التقدم والنهضة والإسلام والاستعمار وغيرها

ويعد الشيخ علي الطنطاوي أحد رموز الدعوة الإسلامية الكبيرة في العالم الإسلامي وشخصية محببة ذائعة الصيت نالت حظاً واسعاً من الإعجاب والقبول، وله سجل مشرف في خدمة الإسلام والمسلمين.ـ

كان يتمتع بأسلوب سهل جميل جذاب متفرد لا يكاد يشبهه فيه أحد، يمكن أن يوصف بأنه السهل الممتنع، فيه تظهر عباراته أنيقة مشرقة، فيها جمال ويسر، وهذا مكّنه أن يعرض أخطر القضايا والأفكار بأسلوب يطرب له المثقف، ويرتاح له العامي، ويفهمه من نال أيسر قسط من التعليم.ـ

اشتهر الشيخ الطنطاوي بسعة أفقه وكثرة تجواله وحضور ذهنه وذاكرته القوية ولذلك تجيء أحكامه متسمة بصفة الاعتدال بعيدة عن الطرفين المذمومين: الإفراط والتفريط.ـ

وقد كتب في صحف بلده في الشام، فاحتل مكانة مرموقة فيها، ثم أضحى من كبار الكتاب، يكتب في كبريات المجلات الأدبية والإسلامية مثل "الزهراء" و "الفتح" و "الرسالة" و "المسلمون" و "حضارة الإسلام" وغيرها، وكانت له زوايا يومية في عدد من الصحف الدمشقية.ـ

ومن المجالات التي سبق إليها الكتابة في أدب الأطفال والمشاركة في تأليف الكتب المدرسية. وتحقيق بعض كتب التراث، وله جولات في عالم القصة فهو من أوائل كتابها.ـ

كانت مساجلاته تملأ الأوساط الفكرية والأدبية طولاً وعرضاً، وكان لا يكف عن إصدار رسائله التي يحذر فيها من مغبة الانخداع بالنحل الباطلة.ومن طريف ما تعرض له في إحدى مساجلاته ما يرويه عن نفسه ((كنا يوما أمام مكتبة "عرفة" فجاء رجل لا يعرفه فاندس بيننا وحشر نفسه فينا، وجعل يتكلم كلاما عجيبا، أدركنا منه أنه يدعو إلى نحلة من النحل الباطلة، فتناوشوه بالرد القاسي والسخرية الموجعة، فأشرت إليهم إشارة لم يدركها: أن دعوه لي، فكفوا عنه وجعلت أكلمه وأدور معه وألف به، حتى وصلت إلى إفهامه أني بدأت أقتنع بما يقول، ولكن مثل هذه الدعوة لا بد فيها من حجة أبلغ من الكلام، فاستبشر وقال: ما هي؟ فحركت الإبهام على السبابة، وتلك إشارة إلى النقود. قال: حاضر، وأخرج ليرتين ذهبيتين يوم كانت الليرة الذهبية شيئاً عظيماً. مد يده بالليرتين فأخذتهما أمام الحاضرين جميعاً، وانصرف الرجل بعد أن عرفنا اسمه، فما كاد يبتعد حتى انفجرت الصدور بالضحك، وأقبلوا عليّ مازحين، فمن قائل شاركنا يا أخي، وقائل: اعمل بها وليمة، أو نزهة في بستان، قلت سترون ما أنا صانع، وذهبت فكتبت رسالة، تكلمت فيها عن الملل والنحل والمذاهب الإلحادية، وجعلت عنوانها "سيف الإسلام" وكتبت على غلافها "طبعت بنفقة فلان" باسم الرجل الذي دفع الليرتين، وبلغني أنه كاد يجن ولم يدر ماذا يفعل، ولم يستطع أن ينكر أمراً يشهد عليه سبعة من أدباء البلد، وقد بلغني أن جماعته قد طردته بعد أن عاقبته)).ـ

كما كان داعية شجاعاً ثابتاً على مبدئه لا يلين، ولا يهادن، كما يقتحم الأهوال، وينازل الرجال، يلج عرين الآساد، وربما عرض نفسه –باختياره- لمخالب تمزق جلد التمساح، كل ذلك في سبيل إيمانه بفكرته الإسلامية، والتضحية من أجل إعلائها مهما كان الثمن.ـ

وقد ترك الشيخ علي الطنطاوي أثراً كبيراً في الناس وساهم في حل مشكلاتهم عن طريق كتابته ورسائله وأحاديثه، وقد كان له دور طيب في صياغة قانون الأحوال الشخصية في سوريا، وهو واضع مشروع هذا القانون على أسس الشريعة الإسلامية، كما وضع قانون الإفتاء في مجلس الإفتاء الأعلى، وانتخب عضواً في المجمع اله هذا ذكره بين الناس.

نقلاً عن مجلة الاسرة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-forsan.yoo7.com/
غادة الأشواك
فارس(ة) محترف
فارس(ة) محترف
غادة الأشواك


عدد الرسائل : 864
الدولة : الشيخ على طنطاوى 3dflagsdotcom_egypt_2fawm
السٌّمعَة : 0
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 12/08/2007

الشيخ على طنطاوى Empty
مُساهمةموضوع: الذكريات للشيخ علي الطنطاوي يرحمه الله   الشيخ على طنطاوى Empty2008-01-22, 9:57 pm

الذكريات للشيخ علي الطنطاوي يرحمه الله



كان بردى يخطو على مهل، يرد على الشمس الوليدة أول تحياتها، وهي تغمره برشاش من عطر أشعتها الحمراء، وكنت في السيارة الضخمة والرفاق، الذين خرجوا من بيوتهم في هذا الصباح قبل نزوحي إلى العراق، فأقلب النظر في وجوههم شاكراً لهم فضلهم، حزيناً لفراقهم ثم أتأمل بردى، صديق الصبا وسمير الوحدة، ونجي النفس، فأبصر في خلاله ظلال الحوار والصفصاف، تميس دلالاً وتيهاً، وأرى ظلال المآذن البعيدة السامقة تظطرب في الماء فأبصر فيها ذكرياتي حية تطالعني وتحدثني، وتعيد على مسمعي قصة حياتي، وتتلو علي تاريخي، فأحس بلوعت الفراق، وأشعر في تلكه الساعة بأني أحب دمشق... دمشق مثوى ذكرياتي، ودنياي وديني، وغاية أملي في حياتي، ثم يطوي المرج هذا الصوت كله، ولا يدع حيال عيني إلا صور إخوتي، فأتأملها بعين دامعة، وقلب جاف من الفراق، ثم تجتمع كلها بعين واحدة، هو أحب الوجوه إلي وأدناها إلى قلبي... وألمح في الماء مشهداً طال عليه العهد ونأى به الزمان، فأراه ينفض عنه غبار السنين العشر، ويعود حياً جديداً... رأيتني في محطة الحجاز (محطة القطارات الرئيسة في دمشق)، آية الفن الحديث في دمشق، والمحطة مائجة بأهلها كما يموج البحر بمياهه، فمن مسافر عجل، ومن مودع باك، ومن و من بائع يصيح... ومن آت وذاهب، وطالع ونازل.. وكنت منزوياً في ركن من أركان القطار المسافر إلى حيفا (ميناء بفلسطين)، وإلى جانبي أختي الصغيرة.

أنظر إلى بعيد، فأرى هناك في أخريات الناس امرأة تمسك بطفلين، متلفعة بملاءة لا تبدي منها شيئاً، ولكن وراء هذا القناع الأسود عينان تفيضان بالدموع، عالقتين بمكاننا في القطار، وخلال تلك الدموع قلباً يخفق شوقاً ويسيل دمعاً، ووراء هذه الوقفة الساكنة ناراً تظطرم في الجوف، وزلزالاً شديد يدك نفسه دكاً.

وصفر القطار الذي يحملنا إلى مصر، فازداد القلب خفقاناً، ثم قذف إلى الجو بدخانه، كأنما هو حي قد أخذ بموقف الوداع، فزفر زفرة الحب الدفينة، والألم الحبيسة، ثم هدر وسار، وراحت المحطة تبتعد عنا، وعيني بيد تلك المرأة التي تلوح لي بمنديل أبيض حتى غاب عني كل شئ، هناك تلفت فرأيتني وحيداً، ورأيت القطار يجد لينأى بي عن أهلي وبلدي، فهممت بإلقاء نفسي من نافذة القطار - لولا أن تعلقت بي أختي التي كانت على صغرها أكبر مني، وعلى أنوثتها أقوى وأجلد... أردت أن ألقي بنفسي لأني لم أكن أتخيل أن في استطاعتي الحياة يوماً واحداً بعيداً عن أمي التي كانت تعلقها بنا، وتعلقنا بها لا يشبه ما نرى من الأمهات والأبناء، وكان... آه وماذا تفيد كان، وقد كان ما كان.

تلك هي أمي، التي مر على (غيابها) عني سنوات طويلة، ولكني أحس كأن الحادثة كانت أمس، فتحز في نفسي ولا أطيق أن أكتب عنها حرفاً.

تلك هي أمي التي كانت لي أماً وأباً، بعد أبي رحمه الله، وكانت حبيبةً، وكانت أستاذةً ، وكانت دنياي، وكانت آخرتي... وكانت أمي، تلك هي أمي التي فوجئت كما تفاجأ الشجرة الغضة الفينانة في ربيعها الزاهر، حين تعصف بها العاصفة فتدعها جذعاً مقطوعاً جافاً.

تلك هي أمي التي ما نسيتها - علم الله – أبداً، ولم أذكرها أبداً، إنها تملأ نفسي، ولكني لا أجري ذكرها على لساني، أراها في أحلامي حيةً فأشعر كأني عدت حياً، وأهم بعناقها وأفتح عيني فأجد على وجهي حر لطمة الدهر الساخرة، ولكني أحمل اللطمة، وأغضي على القذى (أسكت على الذل)، ولا أخبر أختي بشيء، لئلا أذكرهم ما هم ناسون، أو أجدد لهم بالمصيبة عهداً، فأهمل ذكرى أمي ويهملونها... ولعل كل واحد منهم يحس مثلما أحس ويكتم مثلما أكتم.

ذكرت ذلك ساعة الوداع، لأني كنت متألماً، وليس لآلامي كلها إلا معناً واحد هو أني أذكر وفات أمي، ذلك هو الألم عندي لا ألم سواه.

فلما صحوت نظرت في وجوه المودعين، فلمحت وجه أمي مرة ثانية ولكني لمحته حياً ماثلاً في وجوه إخوتي الأحباء، فودعته بدمعة من العين، وابتسامة على فم، وإشارة بالكف، ثم سارت بنا السيارة تطوي الأرض، وتستقبل الصحراء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-forsan.yoo7.com/
غادة الأشواك
فارس(ة) محترف
فارس(ة) محترف
غادة الأشواك


عدد الرسائل : 864
الدولة : الشيخ على طنطاوى 3dflagsdotcom_egypt_2fawm
السٌّمعَة : 0
نقاط : 0
تاريخ التسجيل : 12/08/2007

الشيخ على طنطاوى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشيخ على طنطاوى   الشيخ على طنطاوى Empty2008-01-22, 9:58 pm

(*) ..نظــــــــــــــرات في أدب علي الطنطاوي رحمه الله


إن أدب الطنطاوي يرتكز على محاور عدة جعلت منه أديبا محلقا يرفرف في سماء الأدب العربي هذه المحاور لم تأت في أدب الشيخ علي الطنطاوي اعتباطا، وإنما هي تعكس مقدرة الشيخ البيانية والأدبية والثقافية والتاريخية كذلك والدينية .
وبما أن الأدب لابد له من قالب يصاغ فيه يرتكز على اللغة والأسلوب فإن أول ما أبدأ به هو :


أولا : اللغة والأسلوب عند الشيخ علي الطنطاوي :

لغة الشيخ علي الطنطاوي في أدبه من السهل الممتنع، تقرؤه فتفهمه ويطربك، وتظن أنك قادر على صياغة مثله حتى إذا أمسكت القلم وشرعت في الكتابة بتلك الروعة والسهولة ندّ منك وتملّص. كما إنها لغة قريبة إلى النفس تمتاز بأجراس صوتية عذبة فلا خشن ولاغريب ولا نفور ولا تعقيد و لأن الشيخ ذو ثقافة لغوية واسعة فهو يجد لكل فكرة في رآسة لفظة في معجمه اللغوي أي أن عدة الأديب لا تنقصه بل إنه أحيانا يبتكر بعض الأساليب ويطرح بعض الصور الجديدة .أما أسلوبه فان أديبا هذه لغته فلا شك أن أسلوبه سيكون في حجم لغته فهو أسلوب سهل لذيذ , كل لفظة تنقل القارئ إلى اللفظة التي بعدها .. وهكذا حتى تصل إلى النهاية وأنت تقول هل من مزيد؟ . كما تمتاز لغته بأنها لغة تصويرية، أي أن الكلمة هي أشبه ما تكون بكاميرا لاقطة مصورة، تلتقط ما حولها لتبرزه أمام القارئ مع زيادة في الحسن والتألق وإضافة في البيان والتقريب، يقول في كتابة هتاف المجد:
(إن النهار لنا , لقد أذن مؤذن النهضة فينا : حي على الفلاح , فقمنا وصاحت ديكة الفجر تطرد بقايا النوم من عيون الزهر .
والمستقبل لنا الذين أدركوا أن لهم أجنحة النسر الذي خلق ليضرب في كبد السماء مشرقا يحدّق في عين الشمس، لا لمن يطير بجناحي دجاجة , يلتقط باقيا مائدة الغرب من مز ابل الحياة .للذين عرفوا أنّهم حملة رسالة الله الأخيرة إلى الدنيا،فاستعدوا ليكونوا أئمة الدنيا
للذين حقروا الأرض وما فيها ،وطمحت بهم هممهم ليسيروا على درب المجرة الذي فرشت أرضه بالنجوم , ليصلوا بقلوبهم إلى الله


ثانيا الخيال المتزن :

و أدب الشيخ علي الطنطاوي لا يغفل الخيال، بل هو يجنح له كثيرا ولكن خيال لا مبالغة فيه ولا إفراط , إنما خيال جمالي لا غنى للأدب عنه وبدونه لا يمكن أن تقرأ قطعة أدبية، وهو من يفترض وقوع أحداث ربما لم تقع ولكن السياق يفرضها ويدل عليها . فهو يصنع من السطرين اللذين يجدهما في أسفار التاريخ قصة أدبية رائعة لا تشعر فيها بخلل ولا مبالغة بل يتخيل الأحداث من واقع السطرين اللذين قرأهما , فلا تشعر أن خياله أقحم في القصة وكأنّ الأحداث التي تصوّرها في أجزاء القصة وقعت كما هي ! وهذه حاسة سادسة تظهر تأثّره الكتابي بالمنفلوطي الأديب البارع , وكتابه قصص من التاريخ شاهد على هذا الخيال الجمالي الرائع ولا سيما قصة معلم الصبيان والتي تتحدث عن الحجاج حيث ربت على خمسة عشر صفحة من ثلاث أسطر تاريخية , لكن القارئ إذا خاض غمار القصة شعر أن الكاتب لم يدخل بقلمه وإنما روى ما وقع دون زيادة أدبية . يقول في قصة ابن الحب
( ومن حّرم الكلام في الحب والله الذي أمال الزهرة على الزهرة حتى تكون الثمرة , وعطف الحمامة على الحمامة حتى تنشا البيضة وأدنى الجبل من الجبل حتى يولد الوادي ولوي الأرض في مسارها إلى الشمس حتى يتعاقب الليل والنهار وهو الذي ربط حب القلب بالقلب يأتي الولد ولولا الحب ما التف الغصن في الغابة النائية ولا عطف الظبي على الظبية في الكناس البعيد ولا حنى الجبل على الرابية الوا دعة ولا أمد الينبوع الجدول الساعي نحو البحر . ولولا الحب مابكى الغمام لجدب الأرض ولا ضحكت الأرض بزهر الربيع ولا كانت الحياة ).


ثالثا الحجج العقلية المقنعة


إن الأديب الحق هو الذي يخاطب عقل قارئه كما يخاطب عاطفته فلا بد من وضع الأمرين في كفتين متوازيتين , ولو قلنا أن الأدب لا يعتمد اعتمادا كليا على العقل لان العقل يميل إلى التقرير المباشر والأدب بعيد عن هذين الامرين، إنما يعتمد على إثارة المشاعر وتحريك العواطف، لكن الشيخ علي الطنطاوي لم يغفل جانب العقل بل إن صوره الفنية في مقالاته الإصلاحية التي تحتاج إلى إقناع كثيرا ما ترتكز على الحجة والبرهان العقلي كتصويره مثلا المستقبل بحزمة الحشيش المربوطة أمام الفرس، هي تسير وهو يسير فلا تبعد عنه ولا يصل إليها، وهو تصوير رائع قائم على حجة عقلية مقنعة , وهي أن المستقبل لا يوصل إليه، لأنه يستحيل إلى حاضر, وغير هذا كثير في مقالات الشيخ الأديب الطنطاوي وتتجلى هذه كثيرا في كتابه ( مع الناس) يقول:
((...وليس في الدنيا أحد لا يجد من هو أفضل منه في شيء, ومن هو أقل منه في أشياء . إن كنت فقيرا ففي الناس من هو أفقر منك وإن كنت مريضا أو معذبا ففيهم من هو أشد منك مرضا، فلماذا ترفع رأسك لتنظر من هو فوقك ولا تخفضه لتنظر من هو تحتك , إن كنت تعرف من نال من المال والحياة ما لم تنله أنت، وهو دون ذكاء ومعرفة وخلقا,فلِم لا تذكر من أنت دونه أو مثله في ذلك كله , وهو لم ينل بعض ما نلت؟ وفلسفة الرزق أدق من أن تدرك، وأبعد من أن تنال , وأنظر إلى الناس ترى منهم الغواصين الذين جعل الله خبزهم وخبز عيالهم في قرارات البحار فلا يصلون إليه حتى ينزلوا إلى أعماق الماء، والطيارين الذين وضع خبزهم فوق السحاب فلا يبلغونه حتى يصعدوا إلى أعالي الفضاء . ومن كان خبزه مخبوءا في الصخر الأصمّ فلا يناله إلا بتكسير الصخر ))


رابعا العاطفة الصادقة :

وبما أن الأدب لا بد أن يؤثر في النفوس ويستدر عواطفها فقد جعلت العاطفة في الأدب مرتكزا أساسيا بدونه تكون الكتابة الأدبية حروفا وكلمات وعبارات بلا روح، فالعاطفة هي التي تسري في جسد القالب الأدبي فتكسبه التألق والتأثير في الآخرين .
والشيخ علي الطنطاوي لم يغفل جانب العاطفة في أدبه فهي عاطفة حارة صادقة لا تشعر تجاهها بزيف ولا تكلف لأنها عاطفة الأديب المسلم الذي يرجو الخير لأمته والرقي لمجتمعه والسمو للفرد وهي عاطفة الأديب الذي يحترق بعيدا عن النور والأضواء مع أنه أحق من غيره بها، وهذه الأخيرة تتمثل في الزفرات التي كتبها وضم كتابه(( من حديث النفس)) زفرتين.. زفرة وزفرة أخرى (3)(4)
فيها يشكو أهل الزمان ويشكو أرباب الثقافة وهم يقبلون على الغث ويمجدونه ويتركون الثمين ويطرحونه كما هو حال زماننا الآن!!، كما يشكو حاله مع النقاد الذين يهملون ما كتب، ويقبلون على ما عند غيره من الأدب . قلت : وقد أصاب الطنطاوي وهو يزفر تلك الزفرات، لأنه لا أتعس من أديب يكتب ويحلق ومن حوله يغضون أبصارهم وينكرون ما كتب!! فما أتعس الأديب الذي يعيش في أمة تهمله على ما عنده من الروعة والطموح كما عند الشيخ علي الطنطاوي الذي ضن عليه النقاد سابقا وحاضرا بلقب أدبي من سلة الألقاب التي توزعها أمتنا على من يستحق ومن لم يستحق .


خامسا الطرفة الهادفة :

أحيانا يغلف الشيخ علي الطنطاوي هدفه الذي يسعى إليه في طرفة هادفة، ويقدمه لقارئه في قالب من السخرية فيجعل القارئ يغرق ضحكا وهو يقرأ أدبا ساخرا غير خال من هدف وهذا الأسلوب من شأنه الترويح على القارئ من السأم والملل والجدية . ومن هذه الطرف اقرأ مقالته ( أعرابي في سينما ) في كتابه صور وخواطر .


سادسا : الهدف :

أدب بلا هدف، كلمات مصفّفة وعباراتٌ منمقة جوفاء ،.وفرق بين أديب يكتب من أجل أن يكتب فقط وأديب يكتب من أجل أن يبني .
وأديبنا الطنطاوي لا يكتب لأجل الكتابة , وإنما ليشيد صرحا للأمّة شامخا وليبني الأفراد والمجتمع على أساس من الأيمان والتقوى والفضائل الحسنة فهو عالم نفس يعالج ويقنن ويسبر ردود فعل النفس واستجابتها وما يثيرها !
وهو عالم اجتماع يحلل مشكلات الأسر والمجتمعات يبسط أسبابها ويضع حلولها .
وهو شيخ فاضل يوجه ويرشد، وناقد ومبدع يؤسس قواعد نقدية ويحلّل نصوصا أدبية.
وهو أيضا كاتب وروائي وقاص يملك أدوات الأديب المكتمل غير أنه ليس بشاعر ولا فرق بينه وبين الشاعر إلا الوزن الذي هو العمود الفقري للشعر وما عدا ذلك فكل ما عند الشاعر عنده بل أوضح بيانا وأقوى لغة .
وكل هذا السبيل التي يسلكها الأديب الطنطاوي إنما تصب في طريق واحد وهدف سام هو بناء الفرد والمجتمع على أسس من الفضيلة والأيمان بالله والاعتزاز بالدين وبالشخصية الإسلامية
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-forsan.yoo7.com/
 
الشيخ على طنطاوى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الفرسان :: اسرة الفرسان الثقافية :: شخصيات تاريخية واسلامية-
انتقل الى: