نسمة أمل ~~~~~~~~~~~~~
عدد الرسائل : 8001 أوسمة ممنوحة : السٌّمعَة : 1 نقاط : -2 تاريخ التسجيل : 05/08/2007
| موضوع: التصوف و الشعر 2008-04-07, 10:45 pm | |
| السلام عليكم
التصوف و الشعر بينهما أكثر من علاقة التقاء لا يمكن حصرها و تحديدها و ( لقد أكدت الدراسات المعاصرة على الصلة الوثيقة بين الشعر و التصوف ( ...) و أرجعوا ذلك إلى أسباب شتى من بينها : أ_ تشابه تجربة الشاعر المعاصر بتجربة الصوفي فهما معا يرتبطان بالوجود ( ... ) ب_ إن الشاعر المعاصر يماثل في طريقة تعبيره طريقة تعبير الصوفي . هما معا يميلان إلى اللغة التي تكتفي بالإيحاء و تتجنب الوضوح ... ) 1 وهكذا فالشعر و التصوف يتقاطعان في جملة أشياء مثل : التعويل على الخيال و الذوق و الحدس و الحلم لتحصيل شكل مختلف من المعرفة غير تلك المعرفة التي أداتها العقل و كذا التقرب و الاقتراب من الوجود ليس بوصفه موضوعا للمعرفة مستقلا عن الذات و إنما بوصفه تجربة تعاش و تكابد و يتم التوصل إلى كل ذلك باستعمال لغة تقوم على الرمز و الإشارة و التكثيف و الإيحاء ... و هكذا سنعمل على إيجاد بعض نقط التقاطع بين الشعر و التصوف من خلال : المعرفة التي ينتجانها و من خلال اللغة التي يوظفانها.
أولا : المعرفة
إن آليات المعرفة الإنسانية تختلف و تتنوع بتنوع المعرفة ذاتها ف ( .. المعرفة هي تحصيل ما يمكن إدراكه في أي ميدان من الميادين بشكل منظم فتشمل ما يدرك بالعقل كالرياضيات و المنطق و ما يدرك بالحس و التجربة كالطب و الفيزياء و الكيمياء و ما يدرك بالذوق و الخيال و العاطفة كالجمال ... )2 و هكذا يمكننا أن نرجع المعرفة الإنسانية إلى مصدرين أساسيين : فهناك المعرفة النابعة من العقل و الفكر و المعرفة النابعة من الحدس و الحلم و الخيال و إذا كانت المعرفة الأولى متأتية و شائعة فإن المعرفة الثانية تبقى غامضة و منفلتة ف ( هناك سبيل آخر للمعرفة لا يتوصل إليه بالحواس و ليس في متناول العقل وحده ( ... ) ذلكم هو الوحي الذي يحمل ما عجز عن الوصول إليه . فإذا ما أخذنا مفكرا كبيرا معاصرا كأرنولد توينبي ليلقي لنا ضوءا على هذه الظاهرة خاصة و على سبيل المعرفة و مصادرها عامة لوجدناه يقول : إن هناك أسلوبين لإدراك الحقيقة أولهما الأسلوب العلمي الذي يعتمد على التجربة و المشاهدة و الأخر هو الأسلوب الذي يفيض من الداخل . و الحقيقة التي نصل إليها عن طريق الأسلوب الأول تسمى الحقيقة العلمية بينما تسمى الحقيقة التي نحصل عليها عن طريق الأسلوب الثاني بالحقيقة الشعرية و يقول : إن المشاهدة القابلة للفهم على السطح الشعري من اللاشعور تسمى النبوة ) 3 إذن فالمعرفة العقلية هي معرفة موضوعية و معاشة على مستوى الخارج و الظاهر بينما المعرفة الشعرية أو الصوفية هي معرفة ذوقية حدسية و ذاتية و معاشة على مستوى الداخل و الباطن و هكذا ( فإن الصوفية ميزوا بين علم النظر و علم الأحوال و علم الأسرار و كشفوا عن محدودية الأول بينما مجدوا علمي الأحوال و الأسرار لأنهما ينبنيان على الذوق و التجربة و يتجاوزان طور العقل ) 4 و العقل بالنسبة للصوفي مذموم و لا يعول عليه في إنتاج المعرفة و الوصول إلى الحقيقة ف ( الوجود في الرؤية الصوفية ليس موضوعا خارجيا يدرك بأداة من خارج كالعقل والمنطق إن مقاربة الوجود بوساطة العقل التحليلي المنطقي لا تزيد الإنسان إلا حيرة و ضياعا : تبعده عن نفسه و عن الوجود في آن .. )5 و هكذا غاص الصوفي في أعماق ذاته متوسلا بالخيال و الذوق و بمعايشة الأحوال و مكابدتها ف ( .. ليس للعقل مدخل بعلم الأسرار لأنه ليس من دركه ( الفتوحات ) ( ... ) علم الأحوال لا سبيل إليه إلا بالذوق فلا يقدر عاقل على أن يحدها و لا يقيم على معرفتها دليلا البتة كالعلم بحلاوة العسل و مرارة الصبر و لذة الجماع و العشق و الوجد و الشوق ( ... ) فهذه علوم من المحال أن يعلمها أحد إلا بأن يتصف بها و يذوقها ( الفتوحات ) )6 و قد تم هذا من خلال الشعر باعتباره مكابدة لغوية لأحوال داخلية و هذا فالشعر و التصوف ينفتحان على المتعدد و المختلف و اللامتناهي و المحتمل أي تحرر مطلق من سلطة العقل المحدود و المتناهي و المتماثل و الأحادي ومن هنا فالشعر يتماس ( بالتجربة الصوفية تلك التي تحرر الأنا من قيود التناهي الحسي و العقلي و تدفع بها تجاه مغامرة الوجود ذات الأبعاد اللامتناهية المفتوحة على احتمالات تختبر طاقات الخلق الكامنة و هي طاقات الهوس بإزاحة المواضعات و استبدالاتها الحيوية حيث يلعب الكائن في العالم دوره في الخرق الجوهري لأبنية العالم و للكشف عن إضاءات الكينونة )7
يتبع | |
|
نسمة أمل ~~~~~~~~~~~~~
عدد الرسائل : 8001 أوسمة ممنوحة : السٌّمعَة : 1 نقاط : -2 تاريخ التسجيل : 05/08/2007
| |