يعتبر العسل من أقدم الأطعمة والأدوية التي نشأت مع الإنسان، الذي اعتمد عليه لقرون عديدة كغذاء أساسي قبل أن يعرف الخبز واللبن والحبوب، واستعمله في علاج الأمراض منذ سابق عهده، فاحتفظ بصحته وقوته، إلى أن أقبلت المدنية الحديثة وغيرت وجه الحياة والغذاء.
ويؤكد الخبراء أن أفضل علاج في الطب الطبيعي هو العسل، ولا تقييم في الطب الإلهي للغذاء إلاّ العسل، ولعل أروع ما جاء في وصفه قوله تعالى
وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ. ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (سورة النحل 68 – 69).
وجاء في كتاب "الطب من الكتاب والسنة"، لموفق الدين البغدادي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب كل يوم قدر عسل ممزوجا بالماء على الريق، ويصفه للشفاء من كل داء، ومن أقواله: "عليكم بالعسل فهو خير الدواء"، و"عليكم بالشفاءين: العسل والقرآن".
ظل العسل قروناً طويلة سر الصحة والعافية، واعتبره القدماء رمز الصفاء وسراً من أسرار الحياة، وكان الفراعنة يقدمون العسل للطفل يوم ولادته، دليل السعادة الدنيوية، وكان الرجل منهم يقدمه لزوجته تعبيراً عن السعادة الزوجية، بينما اعتمد المعمرون عليه كغذاء رئيس.
ويذكر المؤرخون أن عالم الرياضيات الإغريقي الشهير "فيثاغورس" صاحب النظرية الرياضية الشهيرة، قد عاش أكثر من تسعين عاما، وكان طعامه يتألف من الخبز والعسل، وأوصى أبو الطب "أبوقراط"، الذي عمر أكثر من 108 سنوات، وكان يأكل العسل يوميا، بتناوله لمن يريد حياة أطول وصحة أقوى.
وكان ابن سينا، الذي لا تزال جامعات الغرب تتولى تدريس علومه الطبية، يوصي بتناول العسل للمحافظة على الشباب والحيوية ويدعو من تجاوزوا الخامسة والأربعين إلى تناوله بانتظام، وخصوصاً مع الجوز المسحوق الغني بالزيت والأحماض الدهنية المفيدة.
تركيب العسل
يتكون العسل من 19 مادة حيوية ومفيدة لجسم الإنسان، منها البروتين الذي يعطي الطاقة الحرارية ويساعد في نمو العضلات، والكربوهيدرات على شكل سكريات سهلة الهضم والامتصاص، وفيتامينات (ب1) و(ب2) و (ب6)، المفيدة في حالات شلل الأعصاب وتنميل الأطراف والأمراض الجلدية والتهابات العين.
ويحتوي أيضا على فيتامين "E" وأملاح الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنسيوم والمنغنيز والحديد والنحاس والفسفور والكبريت والكلورين.
وتعطي كل مائة غرام من عسل النحل نحو 294 كيلو سعرا حراريا من الطاقة، ويضم في مكوناته بعض الأنزيمات الهامة التي تلعب دورا في إتمام العمليات الحيوية داخل خلايا الجسم، وقد ثبت أنه يستطيع حفظ مكوناته الفيتامينية أكثر من الفاكهة أو الخضراوات.
ولكي تجمع النحلة كيلوجرام واحد من العسل، فإنها تنتقل بين الزهور مسافة تعادل 11 مرة قدر محيط الأرض حول خط الاستواء.
وينتج اللون الأساسي للعسل من مكونات ذائبة من أصل نباتي مصدره الرحيق، حيث يتأثر اللون بدرجة الحرارة فيميل إلى اللون الداكن إذا اشتدت درجة الحرارة في موسم الرحيق.
ويمتاز العسل بجميع أنواعه بأنه سهل الامتصاص والتمثيل الغذائي، ويمثل غذاءً مناسبا يعيد الحيوية والنشاط، خصوصا لمن يبذلون مجهودا جسديا كالرياضيين.
ويميل العسل الطبيعي للتبلور عند انخفاض درجة الحرارة عن الحد الأدنى لحرارة خلية النحل، وهي 20 درجة مئوية، وتختلف سرعة وحرارة تبلور كل نوع من العسل عن الآخر باختلاف المصدر الرحيقي.
العسل علاج لا يقدّر بثمن!
إن فوائد العسل الغذائية والعلاجية لا تحصى، والمهم أن يكون طبيعياً لا صناعياً، وقد أكدت الأبحاث العلمية الحديثة خصائصه في عدد من المجالات، ومن أحدثها، تلك التي قام بها البروفيسور بيتر مولان، الأستاذ في جامعة ويكاتو في نيوزيلندا، التي أثبتت فوائده في علاج الجروح والقروح ومنع نمو الجراثيم فيها، ودوره في معالجة أمراض المعدة والربو.
وأوضح العلماء أن خصائص العسل المضادة للالتهاب تخفف آلام الجروح بسرعة، كما تخفف من انتفاخها، وتقلل ظهور الندبات بعد شفاءها.
وقد ثبت أن كيلو واحد من العسل يفيد الجسم بما يعادل 3.5 كيلوغرام من اللحم أو 12 كيلوغرام من الخضار أو 5 كيلوغرام من الحليب.
وكشفت الدراسات العلمية عن فوائد العسل في حالات الاضطرابات الهضمية، فهو يزيد من نشاط الأمعاء ولا يسبب التخمر للمرضى، ولا يسبب تهيج جدران القنوات الهضمية ويعمل على تنشيط عملية التمثيل الغذائي في الأنسجة ويجعل عملية الإخراج سهلة، ويمنع الإصابة بقرحة المعدة والإثني عشر، ويعتبر مادة علاجية ووقائية وغذائية عالية القيمة للأطفال والكبار على السواء.
وأظهرت الدراسات أن العسل يساعد في علاج الحساسية والجروح والحروق وقتل القمل وبيضه، والأرق والأمراض النفسية ويفيد في جميع أمراض العيون، وهو مضاد للحموضة والإسهال والإمساك والتقيؤ والأمراض الصدرية والبخر (إنتان رائحة الفم)، وبحة الصوت والأنفلونزا وآلام اللثة وتقوية الأسنان والدوالي والسل الرئوي وتقوية عضلة القلب، إضافة إلى دوره في الوقاية من التهابات الفم وأورام اللسان وأمراض الأذن والروماتيزم والثعلبة والثآليل وحصى الكلى وأمراض الكبد والعقم، وتضخم غدة البروستات عند الرجال، إلى جانب أهميته في المحافظة جمال المرأة ونقاء الوجه والوقاية من قشرة الرأس.
وينصح الأطباء بإعطاء الطفل الرضيع ملعقة عسل نحل يوميا ابتداء من الشهر الرابع لميلاده، وذلك بخلطه باللبن الحليب، وذلك لمقاومة احتمال نقص الحديد والكالسيوم في حليب الأم، وحمايته من فقر الدم والكساح.
العسل والسرطان
نشرت مجلة "أرشيف الطب الجراحي" الأمريكية، بحثًا متميزا، قام به فريق طبي من كلية الطب جامعة اسطنبول التركية، يفيد بأن دهان الجروح الناتجة عن عمليات إزالة الأورام بالعسل يمنع ظهور الورم المزال في جرح العملية.
وأوضح الأطباء أن مشكلة ما يسمى "استزراع الأورام" مكان الجرح الناتج عن عمليات إزالة الأورام، تمثل خطورة وعقبة كبيرة أمام الجراحين، سواء كان ذلك في العمليات التقليدية أم باستخدام المناظير الجراحية، وينتج عن ذلك تكرار ظهور الورم المزال ولكن في مكان الجرح.
من جهة أخرى، أظهرت دراسة مصرية أجريت في المركز القومي للبحوث بالقاهرة، أن عسل النحل يخلص الأطفال من سموم الألوان الصناعية الموجودة في الحلوى والعصائر المحفوظة.
وأكد الباحثون ضرورة إعطاء الأطفال كميات مناسبة من عسل النحل حرصا على سلامة جهاز الكبد في أجسامهم والوقاية من أمراض أخرى قد تصيبهم خاصة من العام الثاني حتى العام السادس من العمر، وهي فترة التكوين الجسماني والذهني للصغار.
أنواع عسل النحل
تختلف أنواع العسل باختلاف مصدر الرحيق من حيث اللون والمذاق والرائحة والقابلية للتبلور والكثافة والقلوية، إضافة إلى عوامل أخرى تؤثر على صفاته مثل نوع التربة والعوامل الجوية، لذا فمن النادر تشابه عينتين من العسل تماما ولو كان المصدر الرحيقي واحد.
وتتوافر أنواعا مختلفة ومتعددة من عسل النحل؛ وتشمل العسل الجبلي ذو اللزوجة العالية وعسل جبلي حنون المر، الذي يستخدم لعلاج مرضى السكر، وعسل الزيتون الذي ثبت أن الكيلو الواحد منه يعادل 12 كيلوغرام من الخضار، وعسل السدر، والقرنفل، وعسل الأعشاب الطبية الغني بالزيوت الطيارة، وعسل الفراولة ذو الخصائص المقوية والمنشطة للمناعة ويسمى عسل الرياضيين، وعسل الليمون والريحان والبطيخ والبرتقال والتفاح المقوي الغني بالحديد، وعسل الموز الذي ينصح بإضافته إلى غذاء الأطفال الخدج، وعسل الورد البلدي الذي يستخدم كقناع لتجديد خلايا البشرة.
الكشف عن العسل المغشوش
تمتلئ الأسواق بأنواع كثيرة من العسل منها ما هو طبيعي لم تخالطه أي مادة، ومنها ما هو مغشوش تصرفت فيه الأيدي بإضافة السكر الأبيض أو شراب الجلوكوز أو أي مواد أخرى إليه.
ولأن العلاج بالعسل يتوقف بالدرجة الأولى على كونه حقيقياً خالياً من المواد الأخرى، لذا لابد من معرفة العسل الحقيقي وتمييزه عن المغشوش باستخدام عدة طرق وصفها الباحثون في مقال نشرته مجلة "نيويورك الطبية" تشمل إذابة مقدار من العسل في خمسة أضعافه ماءً مقطراً، ويترك إلى اليوم الثاني، فإذا احتوى على مواد غريبة، فإنها ستترسب في القاع، أما إذا كان المحلول صافيا، فيعني أن العسل جيداً، أو يمكن وضع كمية من العسل مع كمية من الماء في وعاء على النار حتى يغلي ثم يرفع عن النار ويترك فترة حتى يبرد، ويضاف إلية قليلاً من اليود فإذا ظهر لون أزرق أو أخضر فهذا دليل على وجود النشا في العسل.
ويمكن تمييز العسل عن طريق تذوقه، فإذا ذاب سريعا في الفم، فهذا دليل على سلامته من الغش، وإذا كان طعم حلاوته في الفم واضحة، فهو مغشوش، لأن العسل الطبيعي لا يبقى له طعم في الفم بعد دقيقتين أو ثلاث، ويمكن شم رائحته، فإن كانت ممزوجة بنوع نبتة معينة تغذى منها النحل حسب نوعه، فهو أصلي.
تقبلوا مني فائق التقدير والاحترام