السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جسم الإنسانبدنه الذي تتجلى فيه قدرة الله تبارك وتعالى ويحتوي على أجهزة وأعضاء غاية في الدقة والتعقيد والتنظيم. ومن الطبيعي أن جسم الإنسان ليس آلة، ولكن يمكن مقارنته بالآلة من عدة أوجه؛ فالجسم، مثل الآلة، مكون من أجزاء كثيرة. وكل جزء في الجسم يقوم بوظائف خاصة، مثله في ذلك مثل كل جزء في الآلة. ولكن كل الأجزاء تعمل معـًا، مما يجعل الجسم أو الآلة تعمل بسلاسة. ويحتاج الجسم كذلك للطاقة كي يعمل، مثله في ذلك مثل الآلة. وتأتي الطاقة في محرك السيارة مثلاً من النفط. أما في الجسم فتأتي الطاقة من الطعام والأكسجين.
وبالرغم من أن جسم الإنسان يمكن مقارنته بالآلة، إلا أنه أكثر روعة من أي آلة، لأنه أولاً: من صنع الله تبارك وتعالى وإبداعه. فتبارك الله أحسن الخالقين. ثانيًا: لأنه يمكنه عمل أشياء لا يمكن لأي آلة عملها. مثلاً، يمكن للجسم أن ينمو. ويبدأ الجسم على شكل خلية واحدة، وبمرور الوقت تتطور هذه الخلية الضئيلة إلى جسم يتكون من بلايين الخلايا. ويستطيع جسم الإنسان استبدال أجزاء بالية معينة، ففي كل يوم تبلى وتستبدل حوالي بليونين من خلايا الجسم. وهكذا، فإن الجسم يعيد بناء نفسه على الدوام. فمثلاً يستبدل جسم الإنسان الطبقة الخارجية من الجلد كل 15 - 30 يومـًا.
ويمكن للجسم البشري أن يدافع عن نفسه ضد مئات الأمراض، كما يمكنه إصلاح نفسه بعد معظم الإصابات الصغيرة. وكثير من أجزاء الجسم، مثـل القلب والكليتين، تعمل بلا توقف. فمثلا، يكون قلب شخص عمره 70 سنة قد ضخ على الأقل 174 مليون لتر من الدم خلال تلك الفترة. كما أن كُليتي هذا الشخص نفسه تكونان قد أزالتا النفايات من أكثر من 3,8 مليون لتر من الدم
العين
البشرية مثل أجزاء كثيرة في الجسم، تتكيف سريعًا للتغيرات. ففي الغرفة المظلمة، يتسع بؤبؤ العين وبذلك يسمح بدخول ضوء أكثر، وإذا أضيئت أنوار الغرفة، ينكمش البؤبؤ تلقائيًا خلال ثوان.
وباستخدام الحواس، يمكن للإنسان اكتشاف التغيرات في محيطه مثل التغيرات في درجة الحرارة أو الضوء أو الأصوات. ويمكنه أن يتكيف مع هذه التغيرات فورًا. وحواس الجسم مذهلة في الواقع. فمثلا، يمكن للناس تمييز آلاف الروائح، ومع ذلك تعد حاسة الشم من أقل الحواس تطورًا في البشر. ويمكن لجسم الإنسان أيضـًا اكتشاف التغيرات التي تحدث بداخله، مثل تغيرات درجة حرارة الجسم. وتكيف أجزاء الجسم المختلفة النشاط دومًا لتحتفظ بالأعضاء الداخلية على صورتها الطبيعية. وتعتمد هذه التكيفات على جهاز من الأعصاب ينقل الرسائل من أحد أجزاء الجسم إلى الجزء الآخر
.
ويعد الدماغ أعجب جزء في جسم الإنسانوالواقع أن الدماغ متطوّر في البشر بحيث نجد الإنسان مختلفًا تمامًا عن كل الكائنات الحية الأخرى. فالدماغ المتميز للإنسان يجعله قادرًا على التفكير، ويمكنه من تأليف قوافٍ سخيفة أو شعر جميل. كما أنه يمكِّن الإنسان من تخيل عالم الأحلام أو دراسة غموض الذرة. ولا يمكن لحيوان، مهما بلغ من المكر، كما لا يمكن لحاسوب، مهما بلغ من القوة، أن يفكر مثل الإنسان.
ويعمل الدماغ والجهاز العصبي الرائع، الذي يتشعب في أنحاء الجسم، في تعاون وثيق مع الهورمونات المحمولة بالدم. وهذه الأعصاب هي أجهزة السيطرة الذاتية للجسم، التي تنسق كل مايكونه الإنسان أو يفعله.
مكوِّنات الجسمجسم الإنسان له أجزاء كثيرة. ويصف هذا الجزء من المقالة نظام الجسم ابتداءً من وحدته الأساسية ـ الخلية ـ وانتهاءً بأجهزته المتكاملة.
العناصر الكيميائية والجزيئات. يتكون جسم الإنسان، مثله مثل كل الكائنات ـ الحية وغير الحيّة ـ من ذرات العناصر الكيميائية. والعناصر الأكثر شيوعـًا بالجسم هي: الكربون والهيدروجين والنيتروجين والأكسجين. ويحتوي الجسم أيضـًا على كميات أقل من عناصر أخرى كثيرة، تشمل: الكالسيوم والحديد والفوسفور والبوتاسيوم والصـوديوم.
وتتحد العناصر الكيميائية مكونة تركيبات مجهرية تُسمَّى الجزيئات. وأكثر الجزيئات شيوعـًا في جسم الإنسان هو جزيء الماء. ويتكون جزيء الماء من ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأكسجين. ويكوّن الماء نحو 65% من الجسم. ومن المعروف أن معظم التفاعلات التي تحدث بالجسم تتطلب الماء.
وفيما عدا الماء، فإن كل الجزيئات الرئيسية في الجسم تحتوي على عنصر الكربون. وأكثر الجزيئات المحتوية على الكربون من حيث الأهمية هي مركبات كبيرة معقدة تسمى الجزيئات الكبرية. وهناك أربعة أنواع أساسية من الجزيئات الكبرية في الجسم هي: المواد الكربوهيدراتية، والشحوم والبروتينات، والحموض النووية. وتزود المواد الكربوهيدراتية الجسم بالطاقة اللازمة لكل أنشطة الجسم. والشحوم لها عدة وظائف؛ فبعض الشحوم، خاصة الدهنيات، تخزن الوقود الزائد. وتعمل شحوم أخرى كإحدى مواد بناء الخلايا التي تكون الجسم. والبروتينات لها وظائف متنوعة أيضـًا، فكثير من البروتينات تعمل كوحدات بناء للخلايا. وهناك بروتينات أخرى، تسمى الإنزيمات، تسرع من التفاعلات الكيميائية داخل الجسم. والحموض النووية تحمل التعليمات التي تخبر كل خلية كيف تؤدي وظائفها الخاصة.
الخلايا والأنسجة الخلية هي الوحدة الأساسية لكل الكائنات الحية. وتتكون خلايا جسم الإنسان أساسـًا من جزيئات الماء والبروتينات والحموض النووية. والجزيئات التي تكون الخلايا ليست حية، ولكن الخلايا نفسها هي الحية. وكل خلية من خلايا الجسم يمكنها أن تقوم بعملية إدخال الغذاء، وأن تتخلص من النفايات، وأن تنمو. ومعظم الخلايا يمكنها أيضـًا أن تتكاثر. ويغلف كل خلية غطاء رقيق مكون من الجزيئات الشحمية. ويسمح هذا الغلاف الشحمي لمواد معينة فقط بالدخول أو الخروج من الخلية.
وكل خلايا الجسم تقريبـًا صغيرة جدًا ولا يمكن رؤيتها بدون استعمال مجهر. لكن هناك بداخل كل خلية الأجهزة التي تحتاج إليها للقيام بأنشطتها الكثيرة. ولمزيد من التفاصيل حول أجهزة الخلايا وكيفية عملها. انظر: الخلية.
وفي الجسم كثير من أنواع الخلايا الأساسية، مثل خلايا الدم، وخلايا العضلات، وخلايا الأعصاب. وكل نوع من الخلايا له سمات ووظائف خاصة. وتكون الأنسجة خلايا من نوع واحد. وفي الجسم أربعة أنواع رئيسية من الأنسجة:
1- النسيج الضامّ ويُساعد على دعم أجزاء مختلفة من الجسم ووصلها ببعضها. وأغلب النسيج الضام قوي ومرن.
2- النسيج الظهاري، ويغطي سطح الجسم، وبذلك يكوِّن الجلد، كما يبطن فتحات الجسم مثل الفم والبلعوم. ويمنع النسيــج الظهـاري المـواد الضارة من دخول الجسم.
3- النسيج العضلي، ويتكون من ألياف كالخيوط تستطيع أن تنقبض. والنسيج العضلي يجعل حركة الجسم ممكنة.
4- النسيج العصبي، ويحمل الإشارات، وجهازه المكون من الخلايا العصبية يسمح باتصال مختلف أجزاء الجسم ببعضها.
الأعضاء والأجهزة العضوية
يتكون العضو من اثنين أو أكثر من الأنسجة تتصل معًا لتكوين بنية واحدة لها مهمة معينة. فالقلب، مثلاً، عضو وظيفته ضخ الدم في أنحاء الجسم. ويتركب القلب من النسيج الضام، والنسيج العضلي، والنسيج العصبي.
وتكوّن مجموعات الأعضاء الأجهزة العضوية. والواقع أن كل جهاز عضوي يقوم بنشاط زائد في الجسم؛ فمثلاً، يتكون الجهاز الهضمي من الأعضاء المختلفة التي تمكن الجسم من الاستفادة من الغذاء. وبالمثل، فإنَّ الجهاز العصبي مكون من أعضاء تحمل الرسائل من مكان لآخر في الجسم. تناقش بقية هذه المقالة الأجهزة العضوية الأساسية لجسم الإنسان.
الجلد البَشَرةتكوِّن الطبقة السطحية من الجلد، وتعد حاجزًا بين المحيط الخارجي والأنسجة الداخلية للجسم. ويتكون الجزء الخارجي من البشرة من خلايا متينة ميتة تمنع البكتيريا والمواد الكيميائية والمواد الأخرى الضارة من دخول الجسم، وتحمي أيضًا الأنسجة الداخلية للجسم من أشعة الشمس القاسية، وتمنع فقدان الماء من هذه الأنسجة.
الأدَمَة. الطبقة الوسطى من الجلد.وهي تساعد في حفظ درجة حرارة الجسم عند معدلها الطبيعي. فالجسم ينتج كميات هائلة من الحرارة أثناء احتراق الغذاء. ويتسرب بعض هذه الحرارة من الجسم عن طريق الأوعية الدموية في الأدمة. فعندما يكون الجسم بحاجة إلى حفظ الحرارة، تضيق هذه الأوعية الدموية، ومن ثم فإنها تحد من فقدان الحرارة. وعندما يحتاج الجسم للتخلص من الحرارة، تتمدد الأوعية الدموية، وبذلك تزيد من فقدان الحرارة. والغدد العَرَقية ـ وهي جزء من البشرة ـ تساعد في التحكم في درجة حرارة الجسم أيضـًا. وتفرز هذه الغدد العَرَق، الذي يتسرب عن طريق مسام على سطح الجلد. ومع تبخّر العرق من السطح يبرد الجسم.
تعمل الأدمة كذلك عضوًا حسيًا مهمًا، حيث تستجيب النهايات العصبية بداخل الأدمة للبرد والحرارة والألم والضغط واللمس.
الأنسجة تحت الجلدية.تُكوِّن الطبقة الداخلية من الجلد. وتوفر هذه الطبقة وقودًا إضافيًا للجسم. وهذا الوقود مختزن بالخلايا الدهنية. وتساعد الأنسجة تحت الجلدية أيضـًا في حفظ حرارة الجسم، وتحمي أيضًا الأنسجة الداخلية للجسم من الضربات.
الهيكل العظمييتكون هيكل الإنسان البالغ من أكثر من 200 عظمة. ويعمل الهيكل العظمي للإنسان على دعم الجسم، وحماية الأعضاء الداخلية. فالدماغ مثلاً، تقيه الجمجمة، والحبل الشوكي يحميه العمود الفقري، وتحمي الضلوع القلب والرئتين.
ويعمل الهيكل العظمي مع العضلات على تمكين الجسم من الحركة. فعظام المنكبين والذراعين تستخدم روافع تستطيع العضلات التي تحرك الذراع أن تشدها. والمكان الذي تتقابل فيه العظام يسمى المفصل. وهناك نوعان أساسيان من المفاصل:
1- مفاصل يمكن تحريكها بحرية، مثل مفاصل المرفق والركبة والمنكب، وتسمح بدرجات متفاوتة من الحركة. وعظام هذه المفاصل ممسوكة معـًا بوساطة حزَم قوية مرنة من النسيج الضام تسمى الأربطة.
2- مفاصل لايمكن تحريكها، أي لا تسمح بأي حركة للعظام. فعظام الجمجمة، ماعدا عظام الفك، تتقابل في مفاصل ثابتة.
ولا يقتصر عمل الهيكل العظمي على كونه بنية للجسم وجهازًا من الروافع يساعد على تحريك الجسم فحسب، بل يحتوي النسيج العظمي على أنواع من الخلايا المتنوعة التي تؤدي دورًا مهمًا في المحافظة على الدم بحالته الصحية.
وتنتج خلايا النقي ـ اللب الدهني اللين لكثير من العظام ـ خلايا الدم الجديدة، وتطلقها في مجرِى الدم. وينظم نوعان من خلايا العظم التكوين المعدني للدم؛ فينقل أحدهما الكالسيوم والفوسفور ومعادن أخرى من الدم ويرسبها في العظم، بينما يذيب الآخر الرواسب المعدنية القديمة، ثم يطلق المعادن ثانية في مجرى الدم حسب الحاجة.
الجهاز التنفسىيتكون الجهاز التنفسي من أعضاء التنفس. وتتضمن هذه الأعضاء: الأنف، والرغامى (القصبة الهوائية)، والرئتين.
ويقوم الجهاز التنفسي بوظيفتين أساسيتين
1- يزود الجسم بالأكسجين.
2- يخلص الجسم من ثاني أكسيد الكربون.
فخلايا الجسم تحتاج إلى الأكسجين للهضم، ومن ثم تطلق الطاقة من الغذاء. وأثناء هذه العملية، يتكون ثاني أكسيد الكربون على شكل نفاية.
ويستلزم التنفس القيام بعمليتي الشهيق والزفير. ويتم الشهيق عندما يتمدد التجويف الصدري. فعندما يتمدد الصدر يندفع الهواء من الخارج ويملأ الرئتين بالهواء. ويحدث الزفير عندما ينكمش التجويف الصدري، الذي يدفع الهواء لخارج الرئتين. ويتم الشهيق والزفير أساسـًا نتيجة انقباض الحجاب الحاجز، وهو العضلة الكبيرة التي تكون أرضية التجويف الصدري. فعندما ينقبض الحجاب الحاجز يتمدد التجويف الصدري، وعندما يسترخي ينكمش التجويف. وتؤدي العضلات التي تحرك الضلوع أيضـًا دورًا في عملية التنفس.
الممرات الهوائية. عند الشهيق، يدخل الهواء الجسم عن طريق الأنف.
وينتقل الهواء من المنخرين إلى الممرات (الجيوب) الأنفية.
والممرات الأنفية مبطنة بشعيرات دموية ومادة لزجة تسمى المخاط. وينقِّي كل من الشعيرات الدموية والمخاط الهواء من الغبار والتراب. وأيضـًا يدفأ الهواء البارد ويرطب عندما يتحرك خلال الممرات الأنفية.
ويمر الهواء من الأنف خلال البلعوم (تجويف خلف الأنف والفم)
والحنجرة (صندوق الصوت) ثم يدخل الرغامى (القصبة الهوائية).
تبادل ثاني أكسيد الكربون والأكسجين يتم في الرئتين اللتين تقعان قريباً من القلب. وتظهر في الشكل رئة واحدة مع القلب (أعلى اليسار).
وتحتوي كل رئة على ملايين الأسناخ، أو الأكياس الهوائية. وتحيط الأوعية الدموية، المبينة على الكيس السفلي فقط، بكل سنخ. وبينما يجري الدم خلال هذه الأوعية، يُطلق ثاني أكسيد الكربون، وهو نفاية ملتقطة من أنسجة الجسم، إلى الأسناخ، ثم يتلقى الأكسجين النقي من الأسناخ.
ويحمل الرغامى الهواء إلى الرئتين. وقبل وصوله إلى الرئتين، ينقسم الرغامى إلى أنبوبين يطلق عليهما اسم القصبتين الأوليين، ويدخل كل أنبوب إلى رئة واحدة. وداخل الرئتين تنقسم القصبتان الأوليان إلى أنابيب أصغر وأصغر، وأخيرًا تنقسم إلى أنابيب غاية في الصِّغَر تسمى القصيبات. وتنتهي القصيبات إلى مئات الملايين من التركيبات الرفيعة الجدر تسمي الأسناخ أو الأكياس الهوائية. وتوفر الأسناخ للرئتين مساحة كبيرة عند امتدادها. ولو أن الأكياس الهوائية تم بسطها على سطح لغطت الرئتان مساحة تتراوح ما بين 55 و90م².
تبادل ثاني أكسيد الكربون والأكسجين. يحدث هذا التبادل في الأسناخ. فكل سنخ محاط بشبكة من الأوعية الدموية الصغيرة. وهذه الأوعية الدموية الصغيرة لها جدران غاية في الدقة. والدم الذي يدخل الأوعية مشبع بثاني أكسيد الكربون، الذي يصل من أنسجة الجسم، ويحتوي على قليل من الأكسجين. ويترك ثاني أكسيد الكربون الدم ويتحرك خلال جدر الأوعية الدموية والأسناخ إلى الرئتين. ثم يمر الأكسجين من الهواء في الرئتين خلال جدران الأسناخ والأوعية الدموية إلى الدم. ويترك الدم، وهو غني بالأكسجين عندئذ، الرئتين وينتقل إلى القلب. ثم يضخه القلب إلى الخلايا في أنحاء الجسم. ويُطرَد ثاني أكسيد الكربون نهائيا من الرئتين مع الزفير.
يتـــــــــبع