منتديات الفرسان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الشعرية العربية في التراث النقدي

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
كاره
فارس(ة) جديد
كاره


عدد الرسائل : 89
العمر : 48
السٌّمعَة : 0
نقاط : 3
تاريخ التسجيل : 08/09/2007

الشعرية العربية في التراث النقدي Empty
مُساهمةموضوع: الشعرية العربية في التراث النقدي   الشعرية العربية في التراث النقدي Empty2008-04-05, 9:32 pm

الشعرية العربية في التراث النقدي


بداية يجب الإقرار بصعوبة تحديد مفهوم الشعرية، فالشعر كمصطلح وكمفهوم أدبي يسهل تصوره أما الشعرية فهو مفهوم غامض وتجريدي وصعب التحديد، والصعوبة تكمن في تحديد طبيعة الخصائص أو العناصر التي تكونها.

ونقصد بالشعرية خصائص العناصر التي تجعل من الشعر شعراً. فالشعرية إذاً هي العناصر الظاهرة والخفية التي تجعل من الشعر شعراً وليس شيئاً آخر.

والنظر النقدي هو المعني بالكشف عنها ونقلها من الخفاء إلى التجلي والوضوح بالإجابة عن أسئلة قد تبدو لغير العارفين بهذا الفن أنها أسئلة بسيطة وساذجة مثل: لم سمي هذا الفن شعراً وهذا نثراً أو فلسفة...؟ ما الذي يميز النص الشعري عن النص العلمي؟ لم نستجيب في عصرنا الحديث مثلاً لنصوص ابن الرومي الشعرية في حين لم تلق لها رواجاً في عصرها؟ هذه الأسئلة ومثيلاتها أسئلة مشروعة وذات قيمة في فهم الشعر والشعرية، ولذلك فالسؤال الذي أطرحه في هذا السياق، هل الشعرية العربية قيم ثابتة أم متحولة أم هي جمع بين ما هو ثابت وما هو متحول. وهو ما سنحاول أيضاً بحثه في هذه الدراسة. وهنا استبق الخاتمة فأقول: مهما كانت النتائج المتوصل إليها، تبقى الحقائق نسبية في مثل هذا الموضوع فقد حكى إسحاق الموصلي قال: قال لي المعتصم: أخبرني عن معرفة النغم وبينها لي، فقلت: "إن من الأشياء أشياء تحيط بها المعرفة ولا تؤديها الصفة"(1) فقد تقرأ قصيدتين جيدتين لشاعر أو أكثر فتحدث فيه كل واحدة منهما أثراً مختلفاً فتدرك هذا الاختلاف ولكنك تعجز عن وصفه. ومهما يكن فإن هذا الجانب من الشعرية لا يجب أن يثبطنا على البحث فيما هو ممكن إدراكه ووصفه.

بداية أرى أن الشعرية حتى وإن كانت مصطلحاً حديث النشأة فما دام هناك شعر هناك شعرية، وهي بالمفهوم الذي حددناه سابقاً يمكن أن نبحث عن معالمها في كل المراحل التي مر بها تطور الشعر العربي. يجب أن نسلم منذ البداية أيضاً أن الشعر العربي وما رافقه من نظر نقدي قد مر بمراحل تطور مختلفة وبالتالي فإن البنية الذهنية في إدراك الشعرية في التراث النقدي قد تطورت أيضاً، وسأحاول الوقوف عند محطات هذا التطور وحصر العناصر الشعرية كما أدركها النقاد في كل مرحلة وإن لم يسموها باسمها.

ما نقلته لنا الكتب عن النظر النقدي في مرحلة ما قبل الإسلام ـ إذا جاز هذا التعبير ـ قليل وبسيط ومشكوك في صحة بعضه لأسباب كثيرة لا فائدة من الخوض فيها هنا. من ذلك ما ورد من أن امرأ القيس وعلقمة الفحل احتكما إلى أم جندب أيهما أشعر فطلبت منهما أن يقولا شعراً يصفان فيه فرساً على قافية واحدة وروي واحد، فأنشداها جميعاً القصيدتين. فحكمت لعلقمة على امرئ القيس لقول هذا الأخير:

فللسوط ألهوب وللساق درة وللزجر منه وقع أخرج منعب

فأجهد فرسه بسوطه في زجره وجريه فأتعبه بساقه. أما علقمة في قوله:

فأدركهن ثانياً من عنانه يمر كمر الرائح المتحلب

فأدرك فرسه ثانياً من عنانه لم يضربه ولم يتعبه(2).

والملاحظ أن معيار أم جندب في جودة الشعر هنا معيار خارجي متعلق بنمط الحياة في ذلك العصر، فضرب الفرس وزجره حتى يزيد من سرعته دلالة على الفرس هجين وليس أصيلاً وهذا ينعكس على الشعر سلباً، وهو ما يعني أن النص الشعري كلما كان متمشياً مع أعراف المجتمع، وفياً لعادات الناس كان وقعه أشد وتأثيره أقوى. كما ورد عن الجاهليين أن المسيب بن علس مر بمجلس بني قيس بن ثعلبة فاستنشدوه فأنشدهم، فلما بلغ قوله:

وقد أتناسى الهم عند إدكاره بناج عليه الصيعرية مكدم

فقال لـه طرفة "استنوق الجمل" لأن الصيعرية ميسم للإناث(3).

من وجهة نظر طرفة بيت المسيب فاسد المعنى لأنه أسند صفة للجمل ليست من صفاته، بل هي من صفات النوق، وهو معيار خارجي يتصل بعادات العرب في استعمالاتهم اللغوية.

وهناك القصة المشهورة التي تحكي أن الأعشى والخنساء وحسان بن ثابت احتكموا إلى النابغة أيهم أشعر، وكيف أن هذا الأخير جعل حسان في الرتبة الثالثة بعد الأعشى والخنساء وأخذ عليه قوله:

لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

ولدنا بني العنقاء وابني محرق فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما

فعاب عليه استخدام الجفنات بدل الجفان، والغر بدل البيض، واللمعان بدل الإبراق والضحى بدل الدجى، والقطر بدل الجريان، لأن الصفات البديلة أفخم وأكثر من سابقاتها فخراً. كما عاب عليه في البيت الثاني افتخاره بنفسه بدل الافتخار بآبائه(4).

ما يفهم من هذه الرواية أن خروج الشاعر على طريقة العرب في المبالغة وعاداتهم في الفخر يعد عيباً يشين الشعر. وإن كان من المعاصرين من نفي أن يكون هذا النوع من النقد صادراً من النابغة " فلم يكن الجاهلي يعرف جمع التصحيح وجمع التكسير وجموع الكثرة وجموع القلة، ولم يكن له ذهن علمي يفرق بين هذه الأشياء.."(5)

النقد في العصر الجاهلي لم يكن يسمي الأشياء بمسمياتها فالمسميات والمصطلحات لم تكن معروفة حتى إنهم إذا أرادوا التعبير عن جيد الشعر ورديئة شبهوا القصيدة بأشياء أخرى من محيطهم وبيئتهم. ومثال ذلك ما يروى أن رهطاً من شعراء تميم اجتمعوا في مجلس شراب وهم الزبرقان بن بدر والمخبل السعدي وعبدة بن الطبيب وعمرو بن الأهتم، فتذكروا أشعارهم، وتحاكموا إلى ربيعة بن حذار، أيهم أشعر، فقال أما عمرو فشعره برود يمنية تطوى وتنشر، وأما أنت يا زبرقان فكأنك رجل أتى جزوراً قد نحرت فأخذ من أطايبها وخلطه بغير ذلك. وأما أنت يا مخبل فشعرك شهب من الله يلقيها على من يشاء من عباده. وأما أنت يا عبدة فشعرك كمزادة أحكم خرزها فليس يقطر منها شيء"(6).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كاره
فارس(ة) جديد
كاره


عدد الرسائل : 89
العمر : 48
السٌّمعَة : 0
نقاط : 3
تاريخ التسجيل : 08/09/2007

الشعرية العربية في التراث النقدي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشعرية العربية في التراث النقدي   الشعرية العربية في التراث النقدي Empty2008-04-05, 9:33 pm

شعر عمرو بن الأهتم جيد فهو لا يسلمك نفسه من أول مرة فكلما أعدت قراءته ازددت استمتاعاً به، شعر الزبرقان يجمع بين الجيد والرديء، وشعر عبدة بن الطبيب قوي الأسر متين النظم لا حشو فيه، أما شعر المخبل فهو أجودهم.

والملاحظ أن جل النصوص النقدية التي أوردناها هي من نوع الموازنات التي يحاول فيها النقاد المفاضلة بين شاعرين أو أكثر، وقد لاحظنا أيضاً أن النقاد يحكون الذوق في أحكامهم، وعجزوا عن تحديد خصائص الجودة أو تعليلها بالوقوف على السمات التي تميز شاعراً عن آخر، وأن مقاييسهم في المفاضلة غالباً ما تكون خارج نصية مما لا يساعد على تحديد مفهوم الشعرية عندهم. بل لا نجد في نقدهم أية إشارة إلى العناصر الأساسية التي يبنى عليها الشعر كالموسيقى (الوزن، القافية، الروي)، والصورة البلاغية (التشبيه، الاستعارة...)، اللغة (لفظاً ومعنى) وهو ما يعني أن هذه المصطلحات لم تكن معروفة آنذاك.

ثم ظهر في القرن الثاني للهجرة مصطلح "الفحولة" الذي تتلخص فيه جودة الشعر، والفحولة كما عرفها الأصمعي عندما سئل عن معناها قال: "يريد أن له مزية على غيره كمزية الفحل على الحقاق"(7) ومعنى هذا أن الفحولة تعني القوة. ومعيار الفحولة في تحديد جودة الشعر معيار غير واضح المعالم وبخاصة عند الأصمعي حيث يكاد يقتصر على الجانب اللغوي وحسب. فقد حصر الأصمعي الفحولة على الشعراء الجاهليين والمخضرمين، وهم عنده إما فحول أو غير فحول أما معاييره في الفحولة فتشمل:

1 ـ اللغة:

1 ـ يجب أن تكون لغة الشاعر لغة نجدية ولذلك يرى أن "عدي بن زيد وأبو دؤاد الأيادي لا تروي العرب أشعارهم لأن ألفاظهما ليست بنجدية"(8)

وعندما سئل عن أبي دؤاد قال صالح ولم يقل فحل" (99).

ب ـ يجب أن يكون الشاعر بدوياً. عندما سئل الأصمعي عن القحيف العامري قال: ليس بفصيح ولا حدة" (10) كما يرى أن العباس بن الأحنف ما يؤتى من جودة المعنى ولكنه سخيف اللفظ"(11).

ج ـ أن يكون الشاعر من أصل عربي، فالمولدون عنده ليسوا فحولاً. الكميت بن زيد ليس بحجة لأنه مولد ولم يلتفت إلى شعره"(12). وسئل عن مروان بن أبي حفصة فقال: كان مولداً، ولم يكن لـه علم باللغة"(13).

د ـ غلبة صفة الشعر على غيرها من الصفات، لذلك لم يعد عنترة بن شداد، وحاتم الطائي من الفحول لاشتهار الأول بالفروسية والثاني بالكرم.

هـ ـ أن يكون للشاعر عدد من القصائد الجياد. فعندما سئل عن المهلهل قال: ليس بفحل ولو قال مثل قوله: أليلتنا بذي حسم أنيري. خمس قصائد لكن أفحلهم"(14).

و ـ حلاوة الشعر: لبيد ليس من الفحول لأن شعره كأنه طيلسان طبري يعني أنه جيد الصنعة وليست له حدّة"(15).

مقياس الفحولة عند الأصمعي ـ كما يبدو ـ مقياس لغوي بالدرجة الأولى وهو مقياس غير كاف لتحديد جودة الشعر أو تحديد الشعرية.

أما الفحولة عند ابن سلام الجمحي فهي أكثر وضوحاً وأكثر موضوعية في فهم جودة الشعر، فهو لم يحصرها في الجاهليين والمخضرمين، بل امتد بها في الزمن إلى شعراء بني أمية وإن كان قد قسم الفحولة قسمين؛ قسم أول خاص بالجاهليين والمخضرمين وقسم ثانٍ خاص بالإسلاميين، وكل قسم وزع شعراءه على عشر طبقات متكافئين. وحاول أن يضع معايير فنية في توزيع الشعراء على الطبقات العشر الأولى والثانية، كما وضع معايير أخرى في توزيع الشعراء داخل الطبقة الواحدة. واصطلحنا على أن نسمي الأولى معايير الترتيب الخارجي، والثانية معايير الترتيب الداخلي. فمن معايير الترتيب الخارجي ما يلي:

1 ـ اللغة: فقد أخر رتبة عدي بن زيد إلى الطبقة الرابعة من الجاهليين والسبب في تأخيره أنه "كان يسكن الحيرة ويراكن الريف فلان لسانه وسهل منطقة"(16) وهو في هذا يشبه الأصمعي ولكن بأقل حدة.

2 ـ أن يكون للشاعر عدد من القصائد الجياد، فالأسود بن يعفر "له واحدة رائعة طويلة لاحقة بأجود الشعر ولو كان شفعها بمثلها قدمناه على مرتبته"(17) علماً أنه من فحول الطبقة الخامسة.

3 ـ غزارة الشعر: فهو يرى أن شعراء الطبقة الرابعة "مقلون وفي أشعارهم قلة فذاك الذي أخرهم"(18) وكذلك شعراء الطبقة السابعة.

4 ـ تنوع الأغراض: يقول: "وكان لكثير من التشبيب نصيب وافر وجميل مقدم عليه وعلى أصحاب النسيب جميعاً في التشبيب، ولـه في فنون الشعر ما ليس لجميل وكان جميل صادق الصبابة وكان كثير يتقول، ولم يكن عاشقاً"(19) ومع ذلك وضع الشاعر كثير في الطبقة الثانية من الإسلاميين وجميل بن يعمر في الطبقة السادسة ذلك أن كثير نوع في أغراض الشعر في حين اقتصر جميل على النسيب.

أما معايير ابن سلام الجمحي الداخلية التي تميز كل شاعر عن الآخرين داخل الطبقة الواحدة، نذكر منها ما يميز شعراء الطبقة الأولى من الجاهليين بعضهم عن بعض. فامرؤ القيس "سبق العرب إلى أشياء ابتدعها واستحسنها العرب واتبعته فيها الشعراء استيقاف صحبه في الديار، ورقة النسيب، وقرب المأخذ، وشبه النساء بالظباء، والبيض، وشبه الخيل بالعقبان، والعصي، وقيد الأوابد، وأجاد التشبيه، وفصل بين النسيب وبين المعاني، وكان أحسن أهل طبقته تشبيهاً"(20). فأهم ما يميز الشاعر امرئ القيس عن شعراء طبقته أن له قدم سبق فيطرق بعض المعاني وتفوقه في عقد التشبيهات.

أما ما يميز النابغة عن شعراء طبقته أنه كان "أحسن ديباجة شعر وأكثرهم رونق كلام وأجزلهم بيتاً كأن شعره كلام ليس فيه تكلف"(21). شعر النابغة يتميز بمتانة نسجه، وحسن حكمه وصفائه وجزالة لغته، وشعره مطبوع خال من التكلف.

وأما ما يميز زهير أنه كان "أحصفهم شعراً وأشدهم مبالغة في المدح وأكثرهم أمثالاً في شعره"(22). ما يميز زهير أنه أكثرهم تنقيحاً لشعره وأكثرهم مبالغة في مدحه وأكثرهم أمثالاً سائرة.

في حين أن الأعشى هو أكثرهم عروضاً وأذهبهم في فنون الشعر وأكثرهم طويلة جيدة وأكثرهم مدحاً وهجاء وفخراً ووصفاً"(23).

بعد هذا العرض الذي استخلصنا فيه معايير ابن سلام الجمحي في وضع طبقات الشعراء نسأل هل هذه المعايير ـ وهي معايير ـ في مجملها ـ خارج نصية فهي تتعلق بقدرات الشاعر على غزارة الإنتاج، وتنوع الأغراض وفصاحة اللسان أكثر مما تتعلق بتحليل النص الشعري والوقوف على جمالياته.

أما معايير الترتيب الداخلي فهي معايير داخل نصية، وهي لذلك أكثر نجاحاً في تحديد سمات الشعرية، حيث نلاحظ أن جل صفات الجودة عند الشعراء الأربعة صفات تتصل ببنية الشعر؛ فشاعرية امرئ القيس تتميز بالقدرة على التعبير بالصورة، بل تفوق على أقرانه في عقد التشبيهات، والتعبير بالصورة بخاصة الصور التشبيهية من أكثر الجماليات التي احتفل بها النقاد القدماء.

وشاعرية زهير بن أبي سلمى تتميز بقوة البناء نتيجة إحكامه وتنقيحه لشعره، كما تميز بتطعيم شعره بالحكم والأمثال السائرة، والمبالغة في معاني المديح، وهي كلها صفات جودة في الفكر النقدي العربي.

هذه الصفات هي مقاييس جودة متأصلة في النقد العربي القديم. كما وردت في طبقات ابن سلام عبارات أخرى أكثر دلالة على شعرية الشعر مثل (الابتداع، الرقة، قرب المأخذ، حسن الديباجة، الرونق، عدم التكلف، الحلاوة)، وهي تشير إلى اللذة التي يثيرها الشعر في المتلقي، وهي جانب من جوانب حد الشعر، فعادة يعرف الشعر ببنيته أو بوظيفته، وابن سلام جمع بين البنية والوظيفة في تحديد جماليات الشعر.

والحق أن ابن سلام قد اعتمد في طبقاته على الجمع والتصنيف أكثر مما اعتمد على تحليل النصوص وهو عمل ليس بالهين إذ يعكس وعياً وإدراكاً للعناصر المكونة للشعر وخصائصه الجمالية.

وقد فتح هذا الكتاب أعين النقاد على قضايا ومصطلحات ومعايير نقدية تتصل مباشرة بحقيقة الشعر وحده وجمالياته فظهرت بعد ذلك مؤلفات متخصصة تنطوي على نظر نقدي أكثر نضجاً، وإدراكاً للشعرية العربية. فظهر في القرن الرابع الهجري وما تلاه عمود الشعر العربي كما ظهرت في هذه المرحلة تعريفات كثيرة للشعر تبين عمق الفكر النقدي العربي في التحليل.

يتعذر علينا في هذا المبحث استقراء كل ما كتب للوقوف على البنية الفكرية العربية في إدراكها للشعرية، فهذا يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين لا تسمح به الظروف الحالية ـ أمني نفسي بأن أحقق هذه الغاية مستقبلاً ـ وأقتصر في هذا المبحث على مصدرين اثنين أعتقد أنهما يمثلان خلاصة ما توصل إليه النقد العربي القديم في تحديد الشعرية العربية؛ هما عمود الشعر وتعريفه.

أعتقد أن عمود الشعر أو كما يحلو لبعض المعاصرين تسميته "نظيرة عمود الشعر" (24) تمثل عناصر الشعر وجمالياته في الفكر النقدي العربي حتى القرن الرابع الهجري على الأقل، أول من خلصها في نص واحد هو القاضي عبد العزيز الجرجاني في قوله: "وكانت العرب إنما تفاضل بين الشعراء في الجودة والحسن بشرف المعنى وصحته وجزالة اللفظ واستقامته وتسلم السبق لمن وصف فأصاب وشبه فقارب وبده فأغزر ولمن كثر سوائر أمثاله وشوارد أبياته، ولم تكن تحفل بالتجنيس والمطابقة ولا تحفل بالإبداع والاستعارة إذا حصل لها عمود الشعر ونظام القريض"(25)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
كاره
فارس(ة) جديد
كاره


عدد الرسائل : 89
العمر : 48
السٌّمعَة : 0
نقاط : 3
تاريخ التسجيل : 08/09/2007

الشعرية العربية في التراث النقدي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشعرية العربية في التراث النقدي   الشعرية العربية في التراث النقدي Empty2008-04-05, 9:34 pm

عناصر عمود الشعر بهذه الصفات ليست من وضع الجرجاني وإنما هي خلاصة ما استقاه النقاد ـ من تقاليد وجماليات ـ من قراءتهم للشعر العربي المنسوب للجاهلين والمخضرمين بوجه خاص، وهي التقاليد التي يطلق عليها عادة "طريقة العرب".

وقد صاغ المرزوقي عمود الشعر بعد ذلك صياغة مختلفة من حيث إضافة عناصر شعرية أخرى، البعض منها أغفله القاضي الجرجاني والبعض الآخر ذكره ولم يعده من عمود الشعر والسبب في هذا الاختلاف أن القاضي الجرجاجني وضع عمود الشعر البدوي (الجاهلي والمخضرم) في حين قصد المرزوقي عمود الشعر العربي حتى عصره والدليل على ذلك قول الجرجاني أن العرب (لم تكن تحفل بالتجنيس والمطابقة ولا تحفل بالإبداع والاستعارة إذا حصل لها عمود الشعر ونظام القريض) يفهم من هذا النص أن هذه العناصر مضافة حديثاً إلى عمود الشعر العربي أضافها شعراء عصره وهي عناصر تزيينية لم تكن العرب (تعبأ ولا تحفل) بها، وهو ما يعني أنها كانت ترد في أشعارهم دون إفراط في حين أفرط المحدثون في النسج على منوالها.

أما عمود الشعر العربي عند المرزوقي فقد حدده بقوله: "إنهم كانوا يحاولون شرف المعنى وصحته وجزالة اللفظ واستقامته والإصابة في الوصف ـ ومن اجتماع هذه الأسباب الثلاثة كثرت سوائر الأمثال وشوارد الأبيات ـ والمقاربة في التشبيه والتحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن ومناسبة المستعار منه للمستعار له ومشاكلة اللفظ للمعنى وشدة اقتضائهما للقافية حتى لا منافرة بينهما"(26) ويمكن تقسيم عمود الشعر إلى عناصر تكوينية وعناصر جمالية وعناصر بنائية وأخيراً عناصر إنتاجية وهذه الأخيرة في بنية الشعر.

أ ـ شرف المعنى وصحته: لا يقصد بالشرف والصحة في المعنى الجانب الأخلاقي فيه ـ فلا يوجد في التراث النقدي ما يدعم ذلك ـ ولعل المقصود بالشرف اختيار الصفات المثلى والمبالغة فيها، وقد رأينا من قبل كيف أن أم جنذب استهجنت وصف امرئ القيس فرسه بالبطء وأنه لا يسرع في سيره إلا بالزجر والضرب، وكذلك الأمر بالنسبة للأغراض الشعرية، ففي المدح مثلاً "لا يمدح الرجال إلا بما يكون لهم وفيهم"(27) وفي الغزل لا يكتفي الشاعر بوصف ما يحس به وما يعانيه، بل عليه أن يبالغ في ذلك فيصف حال من كثرت فيه الأدلة على التهالك في الصبابة، وتظاهرت فيه الشواهد على إفراط الوجد واللوعة، وما كان فيه من الخشوع والذلة أكثر مما يكون فيه من الإباء والعزة..."(28).

وتعني صحة المعنى ألا يصف الشاعر الشيء بصفة ليست من صفاته، فلا يطلق ـ كما سبق أن رأينا عند المسيب ـ صفة من صفات النوق على الجمال. كما أن من صحة المعنى ألا يوسم الشاعر الشيء بمعنى ليس من معانيه، أي مخالفة العرف والإتيان بما ليس في العادة. فقد أخذوا على عدي بن زيد في صفة الخمر قوله:

والمشرف الهيدب يسعى به أخضر مطموثاً بماء الحريص

فوصف الخمرة بالخضرة، وما وصفها بذلك أحد غيره"(29)، كما أخذوا على قول المرار:

وخال على خديك يبدو كأنه سنا البرق في دعجاء باد دجونها

فالمتعارف المعلوم أن الخال سوداء وما قاربها في ذلك، والخدود الحسان إنما هي البيضاء وبذلك تنعت فأتى هذا الشاعر بقلب المعنى"(30).

شعرية المعنى لا تتحقق بصحته أو بشرفه، بصدقه أو بصوابه، إنما شعريته أنه لا يتطلب فيه الصدق أو الكذب. وما مقولة القدماء بأن أجود الشعر أكذبه إلا رد فعل لمحاولة ربط الشعر بالحقائق الكونية أو بالدين، أي أن أجود الشعر أصدقه.

ب ـ جزالة اللفظ واستقامته: الجزالة صفة لطبيعة لغة الشعر، وهو النمط الأوسط في الاستخدام اللغوي أو كما عرفها القاضي الجرجاني "ما ارتفع عن الساقط السوقي، وانحط عن البدوي الوحشي"(31)، "بحيث تعرفه العامة إذا سمعته ولا تستخدمه في محاوراتها"(32). وتعني استقامة اللفظ أيضاً انسجام حروفه حتى يكون سهلاً على اللسان. كما أن من الاستقامة أن يكون اللفظ غير مجاف لأصل وضعه في اللغة مثل قول البحتري:

تشق عليه الريح كل عشية جيوب الغمام بين بكر وأيم(33)

فقد قابل الشاعر بين (بكر) و(أيم)، والأيم هي التي لا زوج لها سواء سبق لها الزواج أم لا. كذلك من الاستقامة انسجام اللفظ مع قرائنه من الألفاظ، اشتقاقاً وجموعاً وتصريفاً ولذلك عيب مسلم بن الوليد في قوله:

فاذهب كما ذهبت غواني مزنة يثني عليها السهل والأوعار(34)

كان عليه أن يقول الوعر بدل الأوعار حتى ينسجم مع السهل.

وإذا كانت الاستقامة صفة ثابتة في اللغة بعامة وأنها شعرية في ذاتها فإن الجزالة صفة غير ثابتة لأن مفهوم الجزالة مفهوم متحول فلكل عصر لغة جزلة فالجزالة عند الجاهلي ليست هي عند الأموي كما أنها ليست هي الجزالة عند الشاعر المعاصر، لأن كل شاعر يكتب بلغة عصره.

ج ـ مشاكلة اللفظ للمعنى مع شدة اقتضائهما للقافية:

تعني المشاكلة بين اللفظ والمعنى والتناسب بينهما، يقول المرزوقي موضحاً: "وكان اللفظ مقسوماً على رتب المعاني، قد جعل الأخص للأخص والأخس للأخس"(35). نظر القدماء إلى الألفاظ والمعاني نظرتهم إلى الناس فكما أن الناس رتب وطبقات فكذلك هي أيضاً، والغاية تحقيق الانسجام بين إيقاع المعاني وإيقاع الألفاظ ثم لا بد في الشعر أن ينسجم هذان الإيقاعان مع إيقاع القافية، وهو ما يعني أن القدماء قد سبقونا إلى إدراك أهمية موسيقى الشعر في تعيمق إحساسنا بالمعنى؛" وأما القافية فيجب أن تكون كالموعود المنتظر يتشوفها المعنى بحقه واللفظ بقسطه، وإلا كانت قلقة في مقرها، مجتلبة لمستغن عنها"(36). والقافية القلقة، المجتلبة هي التي يسميها أبو هلال العسكري "القافية المستدعاة التي لا تفيد معنى وإنما أوردت ليستوي الروي فقط مثل قول أبي تمام:

كالظبية الأدماء صافت فأرتعت زهر العرار الغض والجثجاثا"(37)

فالجثجاث لا تفيد شيئاً إلا لاكتمال الوزن.

فالقافية بهذا المعنى تشكل مركز ثقل في الشعر، وعليه المعول في اكتمال بنية البيت الشعري دلالياً وموسيقياً، ولذلك وجدنا القدماء يدعون إلى وحدة البيت الشعري، ويرفضون القران. والحق أن المشاكلة لا تكون بين اللفظ والمعنى والقافية فحسب وإنما أيضاً بينها جميعاً وبين الوزن باعتبار القافية هي خاتمة الجملة الموسيقية في البيت الشعري، وباعتبار الوزن "مشتمل على القافية وجالب لها ضرورة"(38).

د ـ المقاربة في التشبيه: هو عنصر جمالي يتعلق بتصوير المعاني، واشتراط المقاربة في التشبيه تعني الوضوح في الصور التشبيهية، ولهذا "فأصدقه ما لا ينتقص عند العكس، وأحسنه ما وقع بين شيئين اشتراكهما في الصفات أكثر من انفرادهما، لتبيين وجه الشبه بلا كلفة"(39) نحو تشبيه الخد بالورد الذي يمكن عكسه فنشبه الورد بالخد. فمن الصور التشبيهية التي نالت إعجابهم نورد ـ للتمثيل لا للحصر ـ بيت امرئ القيس:

كأن قلوب الطير رطباً ويابساً لدى وكرها العناب والحشف البالي(40)

المتأمل في هذه الصورة لا يجد ما يسترعي الانتباه سوى المظهر الخارجي قلوب الطير على هيئتيها (الرطبة واليابسة) ولونها العنابي، التي تشبه العناب في لونه وهيئته حين يكون رطباً، والتمر في لونه وهيئته عندما يكون يابساً. وقد أعجب القدماء بالتشبيه عندما تتعدد أوجه الشبه بين طرفي التشبيه، والنص على أشهر صفات المشبه وأملكها له، لأنه حينئذ يدل على نفسه ويحميه من الغموض والالتباس"(41).
حسين مزدور
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نسمة أمل
~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~~~
نسمة أمل


عدد الرسائل : 8001
أوسمة ممنوحة : الشعرية العربية في التراث النقدي 01-10-10
السٌّمعَة : 1
نقاط : -2
تاريخ التسجيل : 05/08/2007

الشعرية العربية في التراث النقدي Empty
مُساهمةموضوع: رد: الشعرية العربية في التراث النقدي   الشعرية العربية في التراث النقدي Empty2008-04-09, 3:40 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا على الموضوع القيم و المفيذ
اختيارك موفق
اتمنى أن يستفيذ الجميع
أكرر شكري وتقديري مرة أخرى
مع خالص تحياتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-forsan.yoo7.com/
 
الشعرية العربية في التراث النقدي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» البحوث والدراسات الشعرية
» مصر بلد التراث والحضارة صور
» تعليم العربية للأجانب
» كنوز رائعة في لغتنا العربية
» تاريخ العطور العربية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الفرسان :: اسرة الفرسان التعليمية :: الفرسان للتعليم-
انتقل الى: