منتديات الفرسان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الأدب أو الفنّ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نسمة أمل
~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~~~
نسمة أمل


عدد الرسائل : 8001
أوسمة ممنوحة : الأدب أو الفنّ 01-10-10
السٌّمعَة : 1
نقاط : -2
تاريخ التسجيل : 05/08/2007

الأدب أو الفنّ Empty
مُساهمةموضوع: الأدب أو الفنّ   الأدب أو الفنّ Empty2008-04-09, 11:36 am



الأدب أو الفنّ:

الأدب والفن لا ينصّب نفسه نقيضاً للدّين، أو العلم، أو الفلسفة، أو الحدْس الإشراقي... والمسألة برمّتها أنّ وسائله مختلفة، وأهدافه متباينة إلى هذا الحدّ، أو ذاك... ولكنّه كحقل من حقول فعّاليّة الكائن البشريّ، يتجاور مع كلّ تلك الحقول المذكورة، ويشربُ من مياهها... غير أنّه لا ينبتُ إلاّ زروعهُ المخصوصة.

ولقد كان الإبداع العربيّ المعاصر -في مجالات الأدب المختلفة- ضحيّة، في الأعمّ والأغلب لهذه الأساليب من "الملاحقة" النقديّة.

وإنّ مبادرتّنا لكتابة هذه المحاضرة هي في حقيقتها محاولةٌ لتجاوز أشكال "النقد" السابقة... وقد تعمّدنا أن نركّز على ذاتية المبدع- وبما هي وجودٌ مخصوصٌ ومشروط.

فالفرد والفرديّة كانا باستمرار، وخلال تاريخنا كلّه، مستهدفين بالإلغاء والمصادرة... وتوكيدُهما الآنَ أمرانِ لا بُدّ منهما لتجاوز ما وصلنا إليه من انحطاط. فإلغاؤهما ليس في المحصّلة إلاّ إخلالاً بتوازن الحياة المجتمعيّة الناجعة نجوعاً كافياً على مختلف المستويات...

وفي البدء ربما كان علينا أنْ نقوم بطرح السؤال التالي:

ما هو الأدب بالقياس للواقع؟

-أهوَ محاكاة له.. أو مماثلة... أو تقليد؟

-أم هو انعكاس؟!

-أم استبدال موازٍ؟!

-أم تغايرْ مواز؟!

ليس الجواب سهلاً بتاتاً، ولعلّه من غير الممكن إعطاءُ جواب محددٍ وقاطع. فذلك يفترض معرفة تامة بقوانين الأدب... ولكنّ هذا لا يعني أنّنا لن نعطي أيّ جواب كافٍ، وإلاّ ما الحاجةُ إلى تدبيج هذا المقال؟ لكنّ الجواب سيكونُ ممتداً على امتداد فقرات هذا المقال كلّه، ومتى عرفنا ما هذا الأدب، أمكننا حينئذ أن نتكلم عن نقده فما هو الأدب؟ ؟

إنّ ثمّة ما هو متفق عليه، وهو أنّ الأدب فعّالية إبداعيّة...

ونحن نرى أنّ الفعّالية الإبداعية عموماً ليست في جوهرها أقلّ من محاولة، ذات كيفيةٍ خاصة ومتعالية، لإعادة إنتاج الوجود البشري ذاته بصورة جذريّة وشاملة.

ويبرز التمايز المتعالي لهذه الفعالية، عنْ كافة أشكال النشاط الإنساني الأخرى، في كونها تستخدم وسائط مألوفة -مسموعة أو مرئية أو ملموسة- لتخرج منها ما هو غير مألوف. وفي صيغة حلم مستمرِ وفريدٍ يتجاوز الضرورة... سواءٌ كانت هذه الضرورة من أصل كوني كلّي- أي ناجمة عن العمليّة الديالكتيكية الهائلة لحركة المادة- أو كانت من أصل بشري داخلي ومحدودٍ كتلك التي تنتجها -وتعيد إنتاجها باستمرار، وتحت مختلف الأشكال والصّيغ والتسميات- عملية الصيرورة المجتمعيّة والتطوّر البشريّ العام خلال التاريخ.

وإذا كنّا- من وجهة نظر المعاناة الإنسانية لتراجيديا الوجود البشري ذاته- نستطيع أن نلخص مفهوم "الضرورة/ الأساسي" على المستوى الكوني بأنّها: حتمية الموت..

وإذا كنّا نستطيع إيجاز مفهوم الضرورة- بمختلف أشكالها وتسمياتها- على المستوى المجتمعي، وخلال التاريخ كلّه.. بأنّها: حتمية الصراع بين فئات المجتمع الواحد وشرائحه وطبقاته، وبين مجتمع وآخر، إلى أنّ تظهر في سياق التطور البشري مستجداتٌ مغايرة،

فإنّه يمكننا أيضاً أن نقول مؤكّدين: إنّ الضرورات جميعاً تتجلّى متراكبةً في ظواهر، كثيراً ما ضلّلت العقل البشريّ عن إدراك حقيقة الضرورة- أو مركّب الضرورات- فيها.

وإنّ الفعّالية الإبداعيّة الأدبيّة والفنيّة على وجه التحديد هنا- قد تلمّست تلك الحقيقة بالحْدسِ الفرديّ القويّ، الذي يستثيره لدى المبدعين ذلك الحسّ العامُ بالكرامة الإنسانية وهو يتحرضُ كردٍ على إذلال الحتميات الكونية والمجتمعية للبشر، فيما هؤلاء ينمّطّون وجودهم عموماً وفق مقتضيات الإستجابة لما تفرضه عليهم اشتراطات الظواهر من تحدٍ ومواجهة.

ملاحظة... إنّنا نلمس هنا، أنّ ذاتَ المبدع- فيما هو يُبدع- تضربُ إلى ماهو أعمقُ جداً من الظاهريّ الذي يستغرقُ فعّالية الآخرين. وهنا ينجلي لنا جوهر العملية الإبداعيّة على أنّه أساساً سعيٌ لإنجاز الحريّة بالمعنى الفلسفي للكلمة.

فحيثُ تعجزُ الوسائط الماديّة للبشر في مستوى ما، مِنْ مستويات وجودهم، عن تجاوز حتميات واقعهم، يطمحُ الإبداع الأدبيّ والفنيّ إلى الاضطلاع بهذه المسؤولية. ولكنْ، بطرقه ووسائله الخاصة.

إنّه يساهمُ بالنتيجة في إعادة التوازن المفقود إلى القاع الروحيّ للجماعة التي يخاطبها، وينجز -على طريقته- واقعاً أعلى، وإنْ في الحلم... وهذا يمكن من انتصار الحريّة على عبودية الواقع الواقعي الحدثي الظاهري" الذي ما هو إلاّ نتاج متمظهر لمركب الضرورات وعلائقها في النهاية.....

إن "النقد الواقعي" عندنا لا يُريد، ولا يستطيع أن يتجاوز حدّاً من معطيات العلم الرياضي/ الاجتماعي، وحدّاً من المنطق العقلي المخصوص... وللأسف فإنّ هذين الحدّين محفوظين ومنقولين كـ"كليشيهات" لنقل كنصوص من طبيعة لاهوتية!!

في مثل هذا "العلم"! ومثل هذا "المنطق"! لا وجود "ليونغ" واكتشافاته العظيمة في علاقة الفرد بمجمل التجربة التاريخية للبشر... وأصلاً، لا وجود للفرد في ذاته إلاّ بمقدار ما يكون "حرفاً" في الخطاب الأيديولوجي.

إنّ الأحاديّة هنا تنكشف على مداها... والقصور يبذرُ في أشدّ صوره إساءةً، حين نعودُ إلى موضوعة أنّ الطموح البشريّ لخرق حدّة تراجيديا الوجود الإنسانيّ، وكسرها وتجاوزها، لا يلبيّه الحوارُ الرياضيّ مع القانون، ولا الحوارُ المنطقيّ الفلسفي، ولا الاستبدالات اللاهوتية مهما تكن صيغها وأسماؤها!!

والأدب والفنّ في محاولتهما الاستجابة لذلك، يخترقان الظاهريّ والحدثيّ، ويستخدمان صيغاً معدّلة منهما، سعياً للغوص الناجع في التأسيسات "الكبرى... ونحو إقامة "أرض" الأدب والفنّ، الجديدة والمتعالية كما بيّنا قبلاً.

وهكذا تطرح علينا كأولويات مسائل تدخلُ في صُلبِ نظرية الأدب؛

-كمسألة تحديد صلةِ الأدب بالواقع.

-ومسألة دور الأسطورة في إنشاء الأدب.

-ومسألة أسْطرَةِ "الراهن" و"المباشر" الحدثيّ الذي به وعبره يتمّ التعبير عن مركب الواقع.

-ومسألة حدود التشابك والتفاعل بين الموروث المفهومي /اللغوي/ القيمي/ الاعتقادي، وبين مستجدّات الراهن في ما أسميناه "مركّب الواقع".

وهذا كلّه يحوّلنا إلى مسألة البحث في خصوصيّة التكوّن التاريخي لمجتمعنا، وتحديد أصوله المتأصّلة، وعلاقاتها بما هو إنسانيّ عام... ثمّ الكيفية الفردية التي بها المبدع -ووفقاً لشروط تكوينه المخصوصة -يتمثّل مركبَ الواقع ويعبّر إبداعياً عنه، فيما هو يعاني تراجيديا حياته ذاتها، تحت ثقل هذا المركّب وعبره، ومنْ خلال انكشافاته الحديثة بماهي "الراهن" و"المباشر"...

وهكذا وجدنا أنفسنا أمام أوّليات منهج في النقد قد لا تكون -مفردة- جديدة بتاتاً، ولكنّ الجديد فيها هو استخدامها كمركب معياريٍ مُوحّدٍ، لكشف فردّية العمل الإبداعيّ أساساً، بما هذه الفردية- بكلّ ما تعنيه من موهبةٍ وثقافة وقدرةٍ على التعبير والإيصال والإمتاع- هي الإطار الوحيد الممكن لانكشاف "العام/ مركّبِ الواقع في صيغة الكلية والشاملة.

أما "النقد الأخلاقي أو الديني" عندما يريد أن يقوّم عملاً فنياً هو في الأصل غير ناشئ عن الإرادة التي هي قوام الإنسان الخيّر، لكنّها قطعاً ليست قوام الإنسان الفنان، فإنّه يعجز عن تقويم ذلك الأثر الفني.

فقد تعبّرُ الصورة مثلاً عن فعلٍ يحمد أو يذمّ من الناحية الخلقية... لكنّ الصورة من حيث هي صورة، لا يمكن أن تحمد أو تذم من الناحية الأخلاقية، لأنّه ليس ثمّة حكم أخلاقي يمكن أن يصدر عن عاقل ويكون موضوعه صورةً.

يقول كروتشيه: "إن الفنان فنان لا أكثر، أي إنسان يحبّ ويعبّر وليس الفنان من حيث هو فنان عالماً، ولا فيلسوفاً، ولا أخلاقياً... وقد تنصبّ عليه صفة التخلق من حيث هو إنسان، أما من حيث هو فنان خلاّق فلا نستطيع أن نطلب إليه إلا شيئاً واحداً: هو التكافؤ التام بين ما ينتج، وما يشعر به..." "لو صحّ لنا أن نقبل ما زعمته المدرسة الأخلاقية في الفن... لمات الفن مختنقاً بأبخرة المعابد، ولوجب أن نحطم كلّ التماثيل العارية التي نحتها ميكيل إنجلو، والصور البارعة التي رسمها رفائيل، لأنّها إثم يجب أن لا تقع فيه العين.

لو ذهبنا مع أشياء المدرسة النقدية الأخلاقية حيثُ يريدون، لوجب أن نخرج من حظيرة الشعر الجيّد قصيدة النابغة الذبياني -المتجردة- التي قالها في زوجة النعمان، وقد انزلق مئزرها عن نهدين، شابين، مرتعشين:


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-forsan.yoo7.com/
نسمة أمل
~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~~~
نسمة أمل


عدد الرسائل : 8001
أوسمة ممنوحة : الأدب أو الفنّ 01-10-10
السٌّمعَة : 1
نقاط : -2
تاريخ التسجيل : 05/08/2007

الأدب أو الفنّ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأدب أو الفنّ   الأدب أو الفنّ Empty2008-04-09, 11:37 am



ولكان علينا أن نلعن النابغة، ونعتبره ضالاً لا يستحق أن نقرأ سيرته وأشعاره.

وكذلك معلّقة امرئ القيس وغيرها من القصائد الباقية على الزمان في ديوان عمر بن أبي ربيعة وغيره من الشعراء.

ونحن من خلال تحليلنا هذا لمشكلات النقد العربي ما تجاوزنا تصنيف المذاهب النقدية المتعارف عليها لدى النّقدة ومصنّفي تاريخ النقد العالميّ، على تعدّدها، لأنّها تندرج ضمن المشكلات النقدية الأربعة السابقة، ومنضوية تحت لوائها، وأهمها:


النقد الذاتي critique subjective


النقد الموضوعي critique objective


النقد الاعتقادي critque dogmatic


النقد العلمي critique scientifique


النقد التاريخي crItique historique


النقد اللغوي critique languestique


النقد التأثري critique improssionist


النقد الواقعي critique realism


النقد الأخلاقي critique Morality


النقد الاستدلالي critique inductive


النقد الحكمي cirtique judicial

أمّا النقد الجمالي أو التأثري..

فإنّ النقد الجماليّ والتأثري هو النقد الذي يرتكز على جماليّة الصياغة؛


فيَعُدُ هذه الصياغة أساساً لخلود العمل الأدبي. ويغلّبها على المضمون.


ويعتمد على الذوق الذاتي في معرفة مواطن الجمال.


وأنّ العبرة في نظم الألفاظ وهندستها، لا في الألفاظ نفسها.


وغرضه... تمييز الأعمال الأدبية بعضها من بعض.

وتمييز الأدباء بعضهم عن بعض.

والكشف عن فرديّة الأديب، واستخلاص السمات النفسيّة، والفنيّة والاجتماعية التي ينفرد بها من خلال مؤلّفاته الأدبية.

نشأته...

ينشأ هذا النقد معتمداً على النظرات الفرديّة الجمالية، والإنسانية، والأفلاطونية المثالية القائلة: "إنّ السعي وراء الجمال هو سعيٌ وراء الخير أيضاً، وإنّ الحبّ الإنسانيّ والروحيّ هو الذي يوصلنا إلى الكمال، يرفعنا إلى عالم المثل، حيث يختلط الحقّ والخير والجمال"(1) "

وينشأ نتيجة لشعور الإنسان بكرامة الفكر، وحريّة الرأي، وقيمة الفرد. ومن أجل ذلك... يشيد بالقيم الجمالية الخالصة.

... ويعتمد على الذوق والإحساس الفرديين للتعرّف على الجمال.

... ويمتدح البساطة والألفة، ويجعل منبعهما القلب وحده.

... ويجعل مهمّة النقد، التواصُل إلى فرديّة الأديب وتميّزه.

.. وإلى أن خلاص الإنسان في قلبه، لا في عقله. وأنّ الإحساس قد يكونُ أهدى سبيلاً من العقل.

وهكذا يجب والحالة هذه على منهج النقد الأدبي الجمالي أو التأثريّ أن يستمدّ من الأدب ذاته، على تقدير أنّ الأدب صياغة فنيّة، أي عبارة جميلة، موحية، معبّرة عن موقف إنساني. تتجلّى في هذه الصياغة شخصيّة الكاتب. وأصالته، وموقفه من الناس، والطبيعة، والفنّ. وفي طرق الصياغة يتمايز الكتّاب. ومن تحليل الصياغة نُدرك خصائص الكاتب النفسية والفنية.

طرائقه..

في هذا النقد يتناول الناقد النص كلمةً كلمةً، وجملةً جملةً... وأمام كلّ كلمةٍ أو جملةٍ يضع مشكلة، ويحاول حلّها معتمداً على ذوقه الأدبي الشخصيّ:


فهو ينظر إلى الألفاظ، وانسجامها الصوتيّ، وتلوينها العاطفي. وأصباغها البلاغية.


وينظر إلى نظم الألفاظ، ودلالاته الفنية والنفسيّة.


كما ينظر إلى الصورة ووظيفتها، وتشكيلها للمشاهد.


وينظر إلى الصفات واستخدامها، ومدى تواؤمها مع موصوفاتها


وإلى الموسيقى في الشعر، والإيقاع في النثر، والحركة في اللون.


ونقد الأدب الجماليّ أو التأثريّ، هو نقد وضعٍ مستمر للمشاكل الجزئية في النص:

أ-فقد يكون في تنكير اسم.

ب-أو نظم جملة.

جـ-أو كبت إحساس.

د- أو خلق صورةٍ.

هـ - أو التأليف بين العناصر الموسيقية في اللغة.



وقد يخلو الأدب من كثيرٍ من العناصر التي نُعدّدها: كالخيال، أو العاطفة، وما إليها، ومع ذلك يروقنا لصياغته، وهذا ما نسميه بالمنهج الّلغوي، الذي أوّل من ابتدعه وطبّقّه منذ القديم عبد القاهر الجرجاني في كتابه "دلائل الإعجاز".

نتيجة...

وأرى أنّ الأساس في كلّ نقد هو الذوق أو التأثير. فنحن لا نستطيع أن ننقد نصاً أدبياً ما لم نتذوّقه، وما لم نعرّض أنفسنا لتأثيره... والذوق الذي أعنيه:


ليس ذلك الذوق الغفل القائم على التحكّم، والتعصّب، والهوى.


إنّما هو ملكةٌ يهبها الله من يشاء، تنمو بالثقافة، وترهف بالمران، وتصفو بالممارسة.


وهو أي الذوق، راسبٌ من رواسب العقل والشعور، مع الحدس واللاّشعور. فهو يمثّل خلاصة تجاربنا. ومعارفنا ومشاعرنا، وإحساساتنا التي تجمّعت فينا، وترسّبت في أعماقنا، وسكنت في خواطرنا، وأصبحت جزءاً منا.

أخطاءُ هذا النقد..

يخشى في منهج هذا اللون أو الشكل من النقد؛ أن يظلّ الناقد حبيس النصّ الذي يدرسه، فلا ينظر إلى العلاقة بين هذا النصّ وبين الواقع الاجتماعي، والبيئة، والتراث الأدبي، وأعمال الأديب الأخرى.

كما ويخشى أن ينصبّ اهتمام الناقد على الشكل دون المضمون، أو العكس، وأنّ هناك من الذوق مالا يمكن تعليله، فقد يحسّ الناقد جمال النصّ الأدبيّ ولكنّه لا يستطيع تحديد الجمال وتفسيره.

ومنه ما يعلّل بالرجوع إلى أصول التأليف التي نستمدّها عادة من كبار الكتّاب الذين حكم لهم الدهر بالبقاء أي بمعياريّة قبلية) تلغي شخصيّة الأديب.



يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-forsan.yoo7.com/
نسمة أمل
~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~~~
نسمة أمل


عدد الرسائل : 8001
أوسمة ممنوحة : الأدب أو الفنّ 01-10-10
السٌّمعَة : 1
نقاط : -2
تاريخ التسجيل : 05/08/2007

الأدب أو الفنّ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأدب أو الفنّ   الأدب أو الفنّ Empty2008-04-09, 11:38 am



أمّا حينما نعلّل تأثيراتنا، ونسوغها ونُقنعُ الآخرين بسلامتها وصدقها، وشرعيتها. عند ذلك فقط يتحوّل الذوق أو الإحساس إلى معرفة مشروعةٍ لدى الآخرين(2) .


فما هو الأدب، وما موقفه من الأسطورة..

إنّ الأدب فعّالية إبداعية ذات كيفيّة خاصة ومتعالية، لإعادة إنتاج الوجود البشري، بصورة جذريّة وشاملة... والآن ما هو موقع الأدب من المعارف الإنسانية؟

موقع الأدب ككل معرفة علميّة، أو فلسفيّة، أو دينيّة، تبحث في الظواهر عن "القانون"، وتخاطبه، أو تحاوره بطرائقها.


ففي العلم: يكون الحوار مع القانون، بمعرفته رياضياً من أجل وضعه في الخدمة ما أمكن.


وفي الفلسفة: يكون خطاب القانون، بتعرفه منطقياً، دون التعامل معه عملياً.


أمّا في الدين: فيجري تجاهله بالاستسلام، وتقديم عزاءات بديلة.


وأمّا في الأدب والفنّ: فالأمور مختلفة جداً.

القانون بالنسبة للأدب والفنّ، موجودٌ في الواقع. وهما لا يأخذان الوقائع بذاتها كما هي، لأنهما لا يهدفان إلى حوار القانون فيها -الوقائع- رياضياً أو منطقياً، كما إنهما لا يتجاهلانه بالاستسلام له، ولا يطمحان إلى تقديم العزاءات البديلة.

في الأدب والفنّ: يكون الحوار مع "وقع القانون" على الروح الإنسانية، على تقدير أنّ هذه العلاقة هي في ذاتها "تراجيديا الوجود البشري(3) ... وليس مع القانون ذاته.

هذا الحوار مع "وقع القانون" أو ارتساماته ينطلق من "الحدثيّ والظاهريّ" بما هو صيغة انكشاف القانون وتجليه. والهدف هو خرق تأثير ذاك "الواقع": بالتوصيف أو الاحتجاج، أو الإبدال أو الرفض الخ... وقد يكون هناك عزاءٌ، ولكنّه ليس عزاء الاستسلام، بل عزاء التعالي. وهذا يخلق "أرضاً" متعالية جديدة.

واللغة هنا- في الأدب تحديداً-: لم تعد وسيلة، بل تصبح هدفاً في ذاتها، وعبر تكوينها من جديد.

والزمن الفنيّ هنا: لا يستهدف مطابقة ذاته بالزّمن الواقعيّ، إنّه حالة انشقاق وتعال "منه وعليه"

وباختصار: يكون الأدب هكذا، تلبية طموحات الروح الإنسانية، لا بما هي محكومةٌ بحتميات(4) القانون وعبوديات الواقع، بل بما هي خروج على هذه العبوديات باتجاه حرية الخلود، إنّه بالتالي تعبير مطلب الاستحالة الذي لا يكون... ولكنّه يكون! وهذا لا يعني أنّ الأدب والفنّ يتجاهلان كلياً العقل المحض، فالروح الإنسانية التي هي مركّب انفعالات الكائن بتراجيديا وجوده، تتخلّق هي أيضاً في العقل وتقومُ به، تماماً كما ينهض هو عليها... غير أنّ لكلّ منهما في "حوار الوجود" طريقه المستقلّة نسبيّاً.... هنا كما أرى تقع خصوصيّة الفعّالية الأدبيّة.

إذن الأدب في حواره مع "وقع القانون" ينطلق من الواقع الواقعيّ الحدثيّ الظاهريّ، كما يقيم واقعه الفنيّ المتجاور.

هذه العملية ترتبط كلياً بذاتية الفرد التي هي نتاج تركيبي معقد لفعل العام في الخاص، أيّ أنّها "وجود مشروط" داخل كينونة إنسانية/ مجتمعية... راهنة/ تاريخية، في الوقت ذاته... بهذا يكون إبداع أديب ما نتاجاً جمعياً، في الوقت الذي يلوح لنا فيه أنّه تعبير منتهى الفردية!

لكنّ الحدثيّ الظاهريّ، لا يؤخذ في الأدب كتصنيف حسابي مدقّق.. أي بما هو ذاته ليس غيره، وإنّما يؤخذ منه -وفق مقتضيات هدف التجاوز الأدبي

-ومن وجهة نظر الفرد المبدع.

-وبما يتلاءم مع كامل استعداداته في لحظة الخلق الأدبيّ، إيّاها!

الأديب إذاً يبدع وفق استجابته في لحظة ما، لانفعاله بتراجيديا الوجود البشري عبر انفعاله أولاً وأخيراً بتراجيديا وجوده الشخصي.

وهو-الأدب أو الأديب -لا يكون مفهوماً من الآخرين لأنّه يستعمل لغة مشتركة وحسب، بل يكون مفهوماً أساساً لأنه يستند إلى قاع اللاّشعور الجمعيّ الذي يحوي في داخله منظومة الرموز الكبيرة، والتي هي خلاصة نتاج التجربة البشريّة، كما أوضح ذلك جلياً "كارل يونغ" صاحب مدرسة علم النفس التحليلي.

ولذلك.. فإنّ الأدب والفنّ يضربان دائماً باتّجاه الأسطورة.

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-forsan.yoo7.com/
نسمة أمل
~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~~~
نسمة أمل


عدد الرسائل : 8001
أوسمة ممنوحة : الأدب أو الفنّ 01-10-10
السٌّمعَة : 1
نقاط : -2
تاريخ التسجيل : 05/08/2007

الأدب أو الفنّ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأدب أو الفنّ   الأدب أو الفنّ Empty2008-04-09, 11:39 am



يشكّل الأدب حالة افتراق كبرى مع الأسطورة فقد(5) تبدو، الأسطورة نمطاً معرفياً متعالياً على أساليب الأدب والفنّ والعلوم والفلسفة معاً من جهة، وتبدو -من جهة أخرى كصيغة مخصوصة وفريدة لكشف كامل بما سميناه "التأسيسات الكبرى"

وتبدو لنا هذه الصيغة وكأنها استكناهٌ لجوهر الوجود البشري ذاته، في بدئه وإلى حدٍّ ما في مصائره... ولكنْ، بتصور يقع: خارج التاريخ كلياً، وداخله كلياً، في الوقت ذاته!

ولكنّ الأسطورة تقدّم "نمذجة" شبه قطعيّة لرموزها، واستعمال هذه النماذج بعد انتهاء مرحلة النمط المعرفيّ الأسطوري، لم يدخل على مدلولاتها تعديلات جوهريّة أو مهمة.

ولقد كان من أهم مكتشفات الانثروبولوجيا الحديثة(6) . أنّ مختلف التعبيرات الأسطورية لشعوب كثيرة، في أزمنة متباعدة، وأمكنة متباعدة، يمكن إرجاعها إلى عدد محدودٍ من البنيات أو المفهومات الدلاليّة الأساسيّة، غير أنّ غناها يكمن في التنوّع غير المحدود لطرائق استعمال تلك البنيات والمفاهيم، بتركيبها المتوالي مكيّفة مع الشروط التاريخيّة المخصوصة للجماعات المختلفة التي أنجزتها... وفي هذه النقطة تكمن إحدى أهمّ استرجاعات الأدب، وإحدى أهمّ طرائقه.

ولكن قبل أن نبحث في علاقة الإبداع الأدبيّ بالأسطورة.. نتساءل: ما هي علاقة الأسطورة بالواقع التاريخي، أي بمركّب حصائل التجربة التاريخية البشرية كما تتبدى في الواقع الواقعي؟!

-من وجهة نظر معيّنة، تتعالى الأسطورة على التاريخ كما قلنا، هذه حقيقة.



-ومن وجهة نظر أخرى، الأسطورة كائنة في التاريخ بما هي منظومة رموز كبرى ومنبثقة من تجربته العامّة، هذه حقيقة أيضاً.

والآن... هل المواجهة البكر للبشر، مع حتميات الطبيعة والكون، كالموت) ومع المعطيات الأولى للوجود الجمعي فالاجتماعي، التطور والصراع)

هي التي جعلت الوعي البشري ينجز هذا "التأسيس" المتفارق؟... ربما.... غيّر أنّنا لسنا معنيين هنا بمتابعة المسألة من هذا الجانب.

ما هو أمامنا، يتمثّل في أنّه الردّ التأسيسي الذي نمّط أشكال عمل الوعي لدى السّلالة العاقلة "سلالتنا التي خرجنا منها- على تراجيديا الوجود الإنساني"

فهي بهذا المعنى: حامل محمولات كلّ واقع واقعيّ، ومحور تمظهراته الحديثة والظاهراتية.

إنّ الأسطورة -والحالة هذه- بما هي تعبير عن تأسيسات الماضي القائم، في كلّ راهن تفرض علينا البحث عنها خلال التاريخ كلّه. لا في الاستعمالات الأدبية فحسب بل أيضاً وراء كلّ التكوّنات التي تفرض أنماط السلوك. والفاعلية البشريّين.

وبهذا المعنى. يعيد كلّ عصر "أسطرة" وعيه. لماهيّة الوجود، ولمبادئه الأساسيّة ومصائره... وهكذا تكون الأسطورة عنصراً محورياً بين جملة العناصر التي تحدّد طبيعة الصيرورة واتّجاهاتها ومحصلاتها.

وبناء عليه، فإنّ كشف العلاقة، بين هذا "العنصر المحوري" للصيرورة في تاريخيّته -وبما هو جملة منظومات رموز أو أنساق رموز متكيّفة، بها تعبّر الفعالية الإنسانية العامة عن ذاتها- تجليات الواقع الواقعي في راهنيته. المقصودة، يجب أن يكون أساس القصد المنهجي لكلّ محاولة في تأسيس نقد ناجع وشمولي.

والآن قولوا لي بربكم: هل توفرت مثل هذه الدراسات لدى بعضنا ممّن يطرحون أنفسهم نقاداً؟ أو يتصدّون في كل أمسية إلى إطلاقات عامة تمسّ أولا تمس موضوع الأمسية؟

***

الوعي البشري، إذاً يعمل -في علاقته بذاته من جهة- وعلاقته بالطبيعة والكون- من جهة أخرى.



على أساس ما أسّسه في مواجهاته البكر، من منظومة رموز أسطوريّة كليّة... ولأنّه في صيرورة دائمة، انسجاماً مع الحركة الدائمة لمادة الكون، فإنّه قد فرّع وركّب وولّد من منظومة الرموز الأساسيّة، منظومات وأنساقاً دلالية متراكبة من الرموز الافتراعيّة... الرموز المتجدّدة باستمرار، والمحالة في الوقت ذاته إلى الأسس(7) .

في الاختراع الأهمّ الكائن البشريّ، وهو يعبّر عن ذاته: في اللغة؛

خلق الإنسان "جهاز" حفظ المنظومات، وأنساق الرموز الدلالية المتراكمة عبر تاريخه.

قلنا: اختراع اللغة، أهمّ ما أنجزه لكائن البشريّ على امتداد الأعصر.

واللغة غير الكلام.. هذا ما أوضحه جيداً، العالم "دي سوسور".

اللغة ليست مجموع الكلام وفق قواعدها... إنّها حالة ضرب وغوص بعيد في المنظومات والأنساق المذكورة، ولون من إعادة التشكيل لها، مستخدمة ما هو "مجموع الكلام وفق القواعد" كمادة أولية.

اللغة الواحدة إذاً هي "لغات" بعدد مستعمليها. ومن وجهة النظر هذه فحسب. غير أنّها تظل واحدة، أي قابلة "لمعرفتها المشتركة" من قبل مجموع مستخدميها... الذين تكوّن وعيهم كلّه فيها وبها.

اللغة، وهي -انسجاماً مع طموح البشر وهمْ يواجهون معضلة الموت عبر إحساساتهم واستجاباتهم، المخصوصة، والكلّية بتراجيدياتهم -تتّسم بأنّها تعبير محاولة خرق الزمان وتحقيق الخلود.

وخلافاً للعلم والفلسفة والدين، لا يشّكل الأدب حالة افتراق كبرى مع الأسطورة ومجمل الأنساق الرمزية الدلالية المتأسّسة عليها.

1-شكل حوار العلم مع القانون -عبر الظواهر- وطبيعة الحوار وأهدافه، يقيم حالة قطعية كاملة مع كلّ الأنساق الرمزية الدلالية وأسُسها الأسطورية... "وهذا واضح بما فيه الكفاية، فالرموز الرياضية، والمصطلحات العلمية لا تقول إلاّ ذاتها، ولا يمكنُها أن تحمل أيّ بعد دلالي أعلى من منطوقها ذاته"(8) وفي التطبيق يفصح الهدف كلياً عن تلك القطيعة الكلية.

2-الشكل المنطقي المعماريّ الذي يعتمده حوار الفلسفة مع القانون، هو أيضاً يضع منجزه في الإطار الرياضي بمستوى ما. إنّ مصطلحاته تستهدف ألاّ تقول إلاّ ذاتها. "والمتأسّس على علائق المصطلحات تلك، عبر إنجاز هذه العمارة) من الرؤيات الفلسفية أو تلك، ربّما لا يقبل الإيحاء، ولكنّه لا يسمح به إلاّ في إطار مسيره البنائيّ المتكامل.. الذي يستهدف دائماً أن يكوّن رؤية) جامعة مانعة من جهة، وأن يعاير ذاته بالعلم في كلّ مرحلة من جهة أخرى"(9) هنا أيضاً نجد حالة القطيعة مع الأسطورة، ومجمل أنساق الرموز الدلالية المتأسّسة عليها، كما بالنسبة للعلم، ولكنّ الصيغة هي المختلفة.

3-أمّا في شكل الحوار الديني للقانون، فثمّة صيغة ثالثة للقطيعة المذكورة.. هنا نجد تجريد التراجيديا، والتجربة التراجيدية للوجود الإنساني كلّه، في مفهوم واحد بسيط هو: امتحان المخلوقات بمحنة الوجود... وهذا بالطبع يحيل الوجود والكون إلى واحدة من لحظات الميتافيزيقيا. "وتعني الميتافيزيقيا علم ما وراء الطبيعة... وهي شعبة من الفلسفة تشمل الانطولوجيا علم الوجود. والكوزمولوجيا علم أصل الكون.. والانتولوجيا علم الوجود وحده". نتيجة الامتحان تقع في "لحظة" أخرى من لحظات الميتافيزيقيا، حيث يكون الثواب والعقاب.

إذاً هنا الحوار هو، مقابلة تجريد بتجريد، والاستسلام هو شرط قبوله.

والرموز الدينية، على هذا، مخصوصة وثابتة. إنّها منظومة، "ولكنّها أيضاً جامعة مانعة"

فالرموز هذه لا تنمو، ولا تولد، ونسقها الدلالي لا اجتهاد فيه.. إنّه أوحد ووحيد، ولا يقبل إلاّ ذاته، مهما تطاولت "لحظة الامتحان".

هنا.. وفي هذا كله- علم، فلسفة، دين -تقع صيغة هذه القطيعة الثالثة المعنية.

4-أمّا في حالة الأدب والفنّ، فليست ثمّة قطيعة مشابهة لإحدى الصيغ الثلاث.. هناك حالة افتراق الفرع عن الأصل فحسب.

ولقد قلنا في فقرة سابقة -الصفحة الأولى- إنّ الأدب والفنّ لا يحاوران القانون في الظاهرات، بل يحاوران "وقعه" أي تأثيراته بما هي "مفردات" تراجيديا الوجود البشري.

المستهدف في "لعبة" الأدب والفنّ، هو أصل هذه التراجيديا: معضلة الموت، ولكن عبر "المفردات" جميعاً: التأثيرات.. الظواهر.. ردود الفعل البشريّة في كلّ مظاهرها وأشكالها ومستوياتها.

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-forsan.yoo7.com/
نسمة أمل
~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~~~
نسمة أمل


عدد الرسائل : 8001
أوسمة ممنوحة : الأدب أو الفنّ 01-10-10
السٌّمعَة : 1
نقاط : -2
تاريخ التسجيل : 05/08/2007

الأدب أو الفنّ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأدب أو الفنّ   الأدب أو الفنّ Empty2008-04-09, 11:39 am



العلم.. يحيل الزمن إلى التزمّن.

-الفلسفة... ترفع الزمن إلى الزمان.

-الدين... يلغي الزمن بإحالته إلى الميتافيزيقيا.

-أما الأدب... فهو يحاول خلق زمن البديل، عبر استخدام "مفردات" الزمن الموضوعي /الذاتي، باللغة، وبمحمولاتها، من أنساق الرموز الدلاليّة المتأسّسة على منظومة الرموز الكبرى كما تفصح عنها الأسطورة.

هذا مع العلم أنّنا قلنا قبلاً: إنّ الأسطورة تقع خارج التاريخ، وتقع داخله في وقت واحد... أي أنّها تحمل الزمن، فيما هي تتجاوز الزمان.. إنّها بهذا المعنى، وفي صلب طبيعتها كمحاولة أنسنةٍ، لأساس التراجيديا البشرية، بتجريد مفرداتها في رموز: تلغي الفردية، أو هي تتجاوز "الذاتي" و"الفردي" إلى "الشمولي" و"الكلي"، وهنا يقع أهمّ أسس افتراق الأدب عنها. "أي الأسطورة"(10) .

إنّ الأدب يبدأ من "الفرد" ومن "الفرديّة" وعبر مفردات "وقع القانون" بما هي مفردات التراجيديا، كي يستكشف "الكليّ" خالقاً عبر ذلك محاولته في التجاوز نحو الحريّة -بالمعنى الواسع للكلمة- فهو دائماً في إعادة تركيب وتجديد وتطوير لأنساق الرموز الدلالية، ومن وجهة نظر ذاتية على وجه التحديد.

ملاحظة... بما أن الفرديّة متأسّسة وناجزة في سياق تبدّيات "المركّب الجمعيّ" فهي شكل اتّصال الخاص الإنساني بالعام المجتمعي، وليست شذوذاً على هذا العام أو نشازاً عنه... وسنعبر عن نشاز الفرديّة بمصطلح "الفردانية" وعن شذوذ الذاتية بمصطلح "الذاتانية".

باستثناء الخطاب الأدبيّ، يقوم كلّ خطابٍ معرفي:

-الخطاب العلمي.

-الخطاب الفلسفي.

-الخطاب الديني.

-الخطاب الأسطوري.

بإلغاء الفرديّة، والذاتية، أو بتجاوزهما، وإهمالهما كلّياً، وفق ما بينّا ففي الخطاب الأدبي، تكون الفردية والذاتية أساس تشكيل النصّ ومحور استكشافاته... ودون أخذ هذه الأطروحة -أو المقالة- كمستند أوّلي للنقد؛ تفقد المعياريّة قيمتها، ويستطيع النقد "أو الناقد" أن يتسمى بما شاء، ما عدا تسميته "النقد الأدبي" أو "الناقد الأدبي".


فمعياريّة العلم تصلح للعلم.


معيارية الفلسفة تصلح للفلسفة.


معيارية الدين تصلح للدين.


معيارية الأسطورة تصلح للأسطورة "إذا كان للأسطورة معيارية".

وفي كلّ هذه الصيغ التي ينتهجها الخطاب المعرفي، تنبع المعيارية من داخل كلّ صيغة بذاتها فحسب...

5.أمّا في الأدب فالأمر مختلف تماماً.

إن معياريّة تقويم الخطاب الأدبي ّ- لا تنبع من داخله النصّي فحسب.

-ولا من خارجه المعرفيّ فحسب.

-وهي لا تتحصّل بالجمع الحسابي بين هذين الحدّين، إذْ لا بدّ أن يقع مثل هذا الجمع في التبسيط والتلفيق.

-بل يجب أن تقوم هذه المعياريّة على "مركّب محصّلات" نظراً لتفاعل حدود كثيرة، تعمل على تركيبها، وهي:

1-الفردية في تعبيرها- انفعالياً- عن إدراك ذاتها داخل "موضوعها" المجتمعيّ /الطبيعي/ الكونيّ، وبما أنّ هذا الإدراك لا يستهدف "العلم" بل يستهدف الاستجابة لوقع التراجيديا الإنسانية، عبر الصيغة الذاتية المخصوصة هنا.

2-شرط انكشاف ذاك الموضوع للذات. والانكشاف هنا: مفردات "وقع القانون" في أطرها الزمنية "الذات" وبما هو مدرك وفق تحصيلات الذات من مركبات أنساق الرموز الدلاليّة العامة.

3-صيغة تبدّي هذه التحصيلات فردياً خلال النصّ بماهي لغة.. إنّ "تبدّيها فردياً" يعني: كيفية إعادة امتلاكها من قبل مبدع النصّ.

4-تتخّذ اللغة هنا سمة "حياة كاملة" بمعنى ما.. إنّها لا تعود كلاماً، أي مجموع تعبيرات تواصل "مقعّدة" التركيب والمعنى، بل تعطي -هكذا- مستويات متعددة من الدلالة إنّ كينونتها الحيويّة النصية، هي مؤشّر قوة موازاتها للحياة الواقعية وتقاطعها معها من أجل تجاوزها.

5-هذه ليست كلّ الحدود التي يجب أن تتأسس المعيارية النقدية على محصلات علائقها التركيبية -لأنّ هذا خارج حدود ما نوده هنا-.

6-وما نودّ توكيده، هو أنّ كلّ معيارية يجب أن تتمتع بالديناميكية أمام النصّ، وبقدرة تعديل ذاتها بما لا يخل بعلائق حدودها المتأسّسة عليها.

فهم جماليّة النصّ...

إنّ امتاع النصّ وفائدته، يقعان في قوة "حيويّة كينونته"، وتحديداً في مقدار ما يستطيع "الخاص الإنساني" الذاتي الانفعالي أن يكون عاماً، ومتجاوزاً بالنتيجة، أي بقدر ما يستطيع النصّ منح الإحساس بالإفلات -عبره- من الثقل الكثيف المبهظ للتراجيديا البشرية. وذلك عن طريق حسن التقاط مفرداتها الحديثة داخل البناء الفنيّ الأدبيّ، وجعل المتلقي يقوم بعمليّة مواجهة لاشتراطات كينونته كمحصلة لفعاليتي، الكتابة، والتلقي.

إنّ جمالية النص تبدر أساساً من ها هنا. لا من مجرّد تحقيق متطلبّات القواعد الخارجية والقبليّة التي تضبط الشكل... ولكنّ هذا لا يعني أنّ تحقيق تلك المتطلبات هو واحد من الشروط الأساسية التي تحدّد النظام المعياريّ للجمالية. فالقواعد الخارجية والقبلية هي تعبير ميراث المزاج الجمعي العام، وهي بذلك ضابط هام من ضوابط التلقي كفعالية موازية لفعالية الكتابة.

غير أن المزاج الجمعيّ ليس ثابتاً إلى الأبد. إنّه حالٌ صائرةٌ، أي إنّه يتعدّل باستمرار متكيفاً مع مقتضيات. وهو بالمقابل لا ينقلب متناقضاً مع ذاته في قطيعة كاملة لأصوله. ولهذا فإنّ تطوير القواعد باستبدالات بعضها أو أجزاء منها ممكنٌ... أمّا محاولة تجاوزها كلياً في الاستعمال الفرديّ، فهو أمرٌ غير ممكن.

ولفهم معنى "جمالية النص" إذاً، لا بدّ من الاعتراف:

أولاً: بما هو أساسي من النواظم التي تحدّد خصوصية كلّ نوع من أنواع الخطاب الأدبي؛ القصيدة، القصة، الرواية، المسرحية، الخاطرة المقالة...

ثانياً: ولا بدّ من الاعتراف أيضاً بالنهج القاعدي للاستعمال اللغوي، ولكنّ هذا ليس كلّ شيء بطبيعة الحال.

إنّ كلّ نصٍ هو "لغة" أولاً وأخيراً... لغة بالمعنى الذي حدّدناه قبلاً وليس غير. وهنا يتبدّى لنا معنى كلمة لغة على أنّه: حياة، تماثل، وتقاطع، وتشاكل، وتعكس، وتواز، وتجاوز.

إن مستوى قوة امتلاك "اللغة" في كلّ نصّ- مع أخذنا بعين التقدير كلّ ما أوردناه في الفقرات السابقة مما يخص تحديد ماهية ووظيفة تلك "الحياة/ اللغة"- هو في واقع الأمر مستوى الجمالية فيه، وحامل معياريتها، والإطار الذي يحدد اشتراطاتها.

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-forsan.yoo7.com/
نسمة أمل
~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~~~
نسمة أمل


عدد الرسائل : 8001
أوسمة ممنوحة : الأدب أو الفنّ 01-10-10
السٌّمعَة : 1
نقاط : -2
تاريخ التسجيل : 05/08/2007

الأدب أو الفنّ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأدب أو الفنّ   الأدب أو الفنّ Empty2008-04-09, 11:40 am



ونلخص ذلك، فنقول:


إنّ فرادة استخدام كلام يحمل أنساق الرموز الدلالية المتأسّسة على منظومة الرموز الإنسانية الكبرى.


وتفريغ تلك الأنساق وتوليدها بما يتلاءم وقوة روح الكاتب، فيما هو يحاور تراجيديا الوجود الإنساني، عبر مفرداتها -اللغة- الحديثة، وعبر حوار تراجيدياه الخاصة أساساً.


وبالتالي خلق المناخ النصي الأمثل، لجعل المتلقي يواجه اشتراطات كينونته المخصوصة.

إنّ تلك الفرادة هي بالضبط محور جمالية النصّ، وأساس النظام المعياري للجمالية الأدبية الفنية بوجه عام.

إنّ الجمال هو الإحساس الفردي -والمشترك العام في الوقت ذاته -بأنّ ثمّة حاجة نفسية قد أشبعت... وآلية تكوّن داخلي قد أرضيت وتحققت استجابتها للموضوع الجميل بصورة كافية.

وتشير كلمة "فرادة" التي استخدمناها قبل قليل، إلى سوية أو صيغة استخدام الكاتب لمفرداته اللغوية فيما هو ينشئ نصه... إنّها -المفردات الفريدة- تحمل مدلول "الخصوصية الأسلوبيّة" ومدلول "الموهبة" في الوقت ذاته. وهي بالتالي حدّ الكيفية الذي عليه يجري إفراغ المضمون في الشكل. إذ شئنا التحدث وفق المصطلحات النقدية الشائعة.

ملاحظة

1- لاحظنا أنّ استخدام هذين المصطلحين "الشكل" و"المضمون" في النقد كان يثير دائماً مشكلة التفريق بينهما، بما هما العنصران الأساسيّان، والمتمايزان على اختلاف، في النص.

والواقع، أنّه قد بذلت باستمرار جهود طيّبة لتلافي المشكلة. فكثر الحديث عن "وحدتها العضويّة"... إنما من غير فائدة كبيرة ملموسة. فدائماً كان يبقى هناك افتراق بين الكلام المقول في النص من حيث هو الشكل"، وبين الفكرة التي يحملها الكلام النصيّ من حيث هو "المضمون".. ودائماً كانت تبقى في التقدير مسافة ما بين الكلام النصيّ والفكرة المقصودة... ولعلّ مصطلح "الأسلوب" قد كان على الغالب هو الجسر الذي يمكّن من تجاوزالمشكلة، بالقفز فوقها.

2-هذه المشكلة التي أثارها هذا الفريق المتّسم بالصورية المنطقية، قد شكّلت ثغرة واسعة في عملية معرفة النصّ. وقد نفذ ما سميناه "النقد المثاليّ" منها إلى المطالبة بتحويل النصّ إلى منجز شكلاني بلاغي... ونفذ منها "النقد الواقعي" إلى المطالبة بالتزام حدّ الوعظ الأيديولوجي... ونفذ منها "النقد النفسي" إلى المطالبة بإقامة النصّ في الشطح الذاتاني.

وأرى لزاماً علينا أن نطرح السؤال التالي: هل مضمون النص هو فكرة أو مجموعة أفكار فحسب؟ إنّ الإجابة بالإيجاب تلغي مسألة الإبداع إلغاء تاماً، إلاّ فيما يخصّ المقالة كنوع أدبي.

فإذا كانت مهمة النصّ هي أن يضع المتلقي في مواجهة اشتراطات كينونته على هذه السوية من صيغ المواجهة أو تلك، فإنّه يجب أن يكون قد تولّد أصلاً عن مواجهة عاناها منشئه أو كاتبه... فهو إذاً صيغة "حال" مخصوصة، لا تستهدف قول الأفكار، بل تستهدف إطلاق ذاتها من قيد الفرديّ، إلى رحابة العام المشترك وملائه:

-إنّها بالطبع تتضمّن الأفكار، غير أنّها لا تنطقها.

-إنّها تشي بها. وتستحضرها، ولكنّها لا تقولها... لأنّها تستهدف تجاوز اشتراطات الكينونة بكلية الروح، لا بالفكر وحده... فالتوصيف هو جزء من صيغة الحال تلك، وليس كلها.



إنّ إعلان هذه الصيغة المخصوصة من حال المواجهة مع اشتراطات الكينونة باستهداف إطلاقها إلى رحابة العام المشترك الإنساني واملائه، أيّ إنشاء النصّ الأدبي، لايتم إلاّ باللغة..... اللغة بالمدلول الذي حدّدناه قبلاً، لا بما هي مجموع كلام مقوعد وحسب.

إنّ مستوى قوة امتلاك اللغة، يحدّد مستوى قدرة منشئ النصّ على حريّة التصرف بأنساق الرموز الدلالية. وإعادة تشكيلها وتوليدها وتفريعها.. أو لنقل إعادة خلقها بالمعنى الفني الأدبيّ، وهو ما يحدّد بالتالي قوة حضور "صيغة الحال المخصوصة" في رحابة المشترك الإنساني وملاته، أي هو ما يحدّدُ قيمة المضمون وأهميته وتأثيره.

إنّ لغة النصّ التي هي شكله، لا تكون هكذا مجرد شكل لإعلان المضمون، بل إنّها تكون هي الحال المضمون معلناً بذاته، في صيغة مخصوصة أتاحها ما أنجزه المشترك الإنساني تاريخياً. ولكنه عبر تمثّل فردي محض، يريد توكيد ذاته في إطار الشراكة والمشاركة.

هل نحن هنا نتحدث عن الوحدة العضوية بين الشكل والمضمون؟!

ليكن... ما دمنا نردم الثغرة التي خلقها التفريق النقدي الصوريّ المنطقيّ بين مفهومين كلّ منهما هو الآخر في حقيقته!

إنّنا نرى النصّ الذي يقول أفكاراً تتمتع باستقلالية واضحة هو الأكثر عجزاً عن إعلان الحال- بالمدلول الذي حدّدناه لكلمة الحال قبل قليل- إنّه أي النصّ، يبقينا على مسافة بيّنة من أطروحاته، لأنّه لا يثير فينا ذلك المشترك بقوة جذبنا إلى المشاركة، ولأنه يملى علينا إملاءً... ولايدخلنا في التجربة.

وفي النصّ، يبدو أيّ انكسار في زخم ظهور "اللغة" انكساراً في زخم حضور المضمون / الحال. فالنص يجادلنا بذاته، أي بما هو لغة منشئة، ولا يجادلنا بالأفكار التي ينوي صاحبه قولها لنا قبل الإنشاء.

ويبدو لنا واقع أسلوبيّة النصّ، على أنّه الكيفية التي ينتهجها منشئ النصّ- فيما هو يعلن لغته- في استخدام الرموز الدلالية وتفريعها وإعادة خلقها، كما يقيم بنيانه الأدبيّ النصيّ المحدود... إنّ الأسلوبيّة هي شكل التنسيق الشخصيّ لقوائم الرموز في "الحيالة النصيّة الأدبية".

إنّ الكائن لا يستطيع أن يفكّر إلاّ باللغة -لغته هو المستحضرة من اللغة العمومية المتوارثة- هذه حقيقة أصبحت أمراً مقطوعاً به. ولكنّ اللغة -أي لغة- لا تكون إلا في كونها مجموع ترميزات تنطق الصور.

ليست هناك إمكانية للفصل بين الكلمة والصورة، بين الكلام وأنساق الصور، بين اللغة وبناءات البنيات الصوريّة والتصويريّة. هذه أيضاً حقيقة مقطوعٌ بها نهائياً.

وعلى هذا الأساس، كلّ نص هو بناء من أنساق الصور.. بناء تصوري تصويري يهدف إلى إعلان ذاته بما هو تجربة مواجهة منشئة لاشتراطات الكينونة... بغية تثبيت الذات في سياق عملية المواجهة الإنسانية العامة لتراجيديا الوجود البشري، عن طريق تحضير ذلك في الآخر... هنا الصورة تبدو على أنّها اللبنة الأساسية في المعمار النصي الكبير.

حيويّة معماريّة الصور عبر أنساق البناء، هي جوهر الأسلوبية. ولكنّها في الوقت ذاته هي لغة النصّ، وهي مضمونة كحال مواجهة، وكفعالية مشاركة:


ويستطيع بناء أنْ يكوّن من حجر واحدٍ كما في نضبٍ.


ويستطيع أنْ يكوّن من أنساق من الحجارة التي تحمل كلّ التوق الإنساني كما في معبد.

كلاهما ذو فائدة ومدلول، ولكنْ لكلّ منها معيارّيته الخاصة، وحجم أهميته وقوة دلالته:

-في الشعر العربي القديم نجد النصب.

-في النص الأدبي العربي الحديث نجد المعبد.

وبالنتيجة؛ النص يكون ذاته أولاً وآخراً.

أمّا الهدف البلاغي، القول الأيديولوجي، هذاء الشطح الذاتاني... كلّها حالات خروجٍ على طبيعة النصّ!!.

اللهمّ أرجو أن أكون قد أوصلتُ، فبيّنْتُ، وسلام على المؤمنين العارفين.

البنيوية

تعتبر البنيويّة منهجاً في البحث، وطريقة في الكشف عن علاقات النصّ وقوانينه. أمّا البنيوية في الأساس:

-من حيث هي منهج نقدي شامل.

-أو طريقة بحث في مكوّنات الواقع.

-أو كشف علائق هذه المكونات وتفاعلاتها:

فإنّها تطمح أن تسجّل إضافة حقيقيّة في مضمار المعارف الإنسانية ثلاثة مفاهيم أساسيّة؛

تشكّل في علاقاتها وتفاعلاتها الإطار العام للبنيوية وهي: البنية- والنظام-و الوظيفة:

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-forsan.yoo7.com/
نسمة أمل
~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~~~
نسمة أمل


عدد الرسائل : 8001
أوسمة ممنوحة : الأدب أو الفنّ 01-10-10
السٌّمعَة : 1
نقاط : -2
تاريخ التسجيل : 05/08/2007

الأدب أو الفنّ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأدب أو الفنّ   الأدب أو الفنّ Empty2008-04-09, 11:41 am



1-البنية: هي نظام تحوّلات لغوية، ثم تطوّرت إلى نفسية، ورياضية، ومنطقية، وامتدّ مفهوم البنية ليشمل مختلف العلوم الإنسانية.

وعلماء اللغة -وهذا ما يعنينا- يتحدثون عن بنى صوتية، وأخرى تركيبية، وثالثة للمفردة.

والبنية: هي كلٌ مكوّن من ظواهر متماسكة يتوقف كلّ منها على ما عداه.. ولا يمكن أن يكون ما هو، إلاّ بفضل علاقته بماعداه.

2-النظام: هو الإطار الذي تنتظم من خلاله علاقات عناصر البنية. وبالتالي:

فهو إذن يتشكل من العلاقات القائمة بين عناصر البنية.

على أنّ التبدّلات التي يمكن أن تطرأ على البنية لا تؤثر على نظامها.

على الرغم من أنّ تحولات البنية هذه مستمرة، وهي تقوم دائماً بتوليد عناصر جديدة تثري البنية.

3-الوظيفة: البنية نظام تحولات، والتحولات علاقات لعناصر البنية.

والنظام إطار لهذه العلاقات ينظمها، ويضبطها.

والوظيفة بالتالي تعني: القيمة الاتصاليّة للّغة، التي تعمل على تحليل اللغة، وفهمها، وتفسير الوقائع المرتبطة بها.. مما يؤكّد ارتباط الوظيفة بالمعنى.

البنيوية في الأصالة اللغوية الفنيّة في الشعر أو في النظم...

إنّ أصالة أيّ شاعر، لا تظهر إلاّ في الإشعاعات الدّالة، والظلال الموحية، وفي الفروق الدقيقة التي تطوى في داخل الأثر الفنيّ، وتكمن في النصّ الأدبيّ ذاته. فمثلاً: قد تتشابه الفكرتان، أو تتماثل الاستعارة عند شاعرين، ومع ذلك تبلغ عند أحدهما مالا تبلغه عند الآخر. وذلك لما يضفيه الشاعر على تعبيره من خصائص -نفسية وموسيقية، ولغوية، وذهنية، وأخرى غيبية.(11)

ليس هناك تعبير يمكن أن يتساوى هو وتعبير آخر مهما اتفقا في المعنى أو الفكرة.

فإضافة كلمة -أو حذف أخرى.

تقديم اسم على فعل- أو تأخير مبتدأ عن خبر،

تعريف كلمة- أو تنكيرها.

إظهار كلمة -أو إضمارها.

استعمال أسلوب معيّن من أساليب النهي، أو الأمر، أو الاستفهام، أو النفي وغير ذلك من أساليب اللغة الكثيرة التي ليس المجال مجال تعدادها... كلّ ذلك من شأنه أن يلوّن العبارة الأدبية بألوان جديدة. ويضفي عليها معاني جديدة وحديثة، يكشف بها المنشئ الأدبي- شاعراً كان أو كاتباً- عن معان نفسيّة، يحمّلها كلّ ما يعانيه من مشاعر تسافر فيه وتضطرم في أعماقه، وكلّ ما مرّ به من تجارب حلوة ومرّة، إلى الناس الآخرين.

إنّ هذا ليس جديداً. وللأسف الشديد جداً جداً، أنّنا نكتب ونتحدث قبل أن نقرأ.. أجل قبل أن نقرأ.

لقد كشف الشيخ الإمام عبد القاهر الجرجاني، قبل أكثر من ألف عام 471هـ في كتابه "دلائل الاعجاز في الصفحة 75-77 وما بعد" وهو بصدد الحديث عن النظم، عن كثير من الأسرار البلاغية الكافية في عوامل الصياغة، وبيّن كيف أنّ تغييراً فيها، ولو بسيطاً، يمكنه أن يحمل من المعاني، ويرفع القيمة الجمالية والفنيّة إلى مستوى لم يكن للكلام للنظم أن يبلغه، لولا هذا التغيير.

وقد ضرب لنا الأمثلة الكثيرة على ذلك، نأتي على مثال واحدٍ منها، وعلى الذين منّ اللّه عليهم بنعمة القراءة، ونعمة الفهم ممّن يرغبون الاستزادة أن يعودوا إلى كتابه الآنف الذكر، وقرينه "أسرار البلاغة" ليروا كيف يعيش المستغربون منّا، والمستشرقون منهم، على فتات موائد الفكر العربي الإسلامي منذ أكثر من ألف عام.



وإنّي لأعجب من كاتب، أو شاعر، أو قاص يطرح نفسه على الساحة الأدبية ولم يطلّع على ما قاله أبو يعقوب يوسف السكاكي -626هـ -في كتابه "مفتاح العلوم".. وعلى ما قام به الإمام جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الخطيب -739هـ- من تلخيص للمفتاح! اللهم اغفر لقومي فهم لا يقرؤون.

نعود والعود أحمد، إلى مثال واحد من الأمثلة التي ذكرها الإمام عبد القاهر الجرجاني، وليكن من الأمثلة التي اختارها الدكتور عبد الفتاح لاشين لكتابه "الخصومات البلاغية والنقدية في صنعة أبي تمام صفحة 213 وما بعد" حيث يقول:

"ومن دقيق ذلك خفيّه، أنّك ترى الناس إذا ذكروا قوله تعالى: وأشتعل الرأس شيباً، لم يزيدوا فيه على ذكر الاستعارة، ولم ينسبوا الشرف إلاّ إليها، ولم يروا للمزيّة موجباً سواها... هكذا ترى الأمر في ظاهر كلامهم.

وليس الأمر على ذلك... ولا هذا الشرف العظيم، ولا هذه المزيّة الجليلة، وهذه الروعة التي تدخل على النفوس عند هذا الكلام لمجرد الاستعارة.. ولكن لأنّه يسلك بالكلام طريق ما يسند الفعل فيه إلى الشيء، وهو لما هو من سببه، فيرفع به واشتعل ما يسند إليه الرأس، ويؤتى بالذي الفعل له في المعنى شيباً منصوباً بعده.. مبيّناً أنّ ذلك الإسناد، وتلك النسبة إلى ذلك الأوّل إنّما كان من أجل هذا الثاني، ولما بينه وبينه من الاتصال والملابسة" كقولهم:

طاب زيدٌ نفساً بدلاً من طابت نفس زيدٍ.

وقرّ عمروٌ عينا" بدلاً من قرّت عين عمروٍ.

وتصبّب محمد عرقاً بدلاً من تصبّب عرقُ محمدٍ.

وكرم عليّ وجهاً بدلاً من كَرَمَ وجه عليٍ.

وحسنَ سعيد أهلاً بدلاً من حسن أهل سعيد.

وأشباه ذلك مما تجد فيه الفعل منقولاً عن الشيء إلى ما ذلك الشيء من سببه. "إنّه تعبير في هندسة الجملة، وتبديل لديكورها الداخلي. دون تغيير أو تبديل في المواد والأثاث".

فنحن نعلم: أنّ اشتعل للشيب في المعنى، وإنْ كان هو للرأس في اللفظ، كما أنّ طاب للنفس، وقرّ للعين، وتصبّب للعرق، وكزمَ للوجه، وحسن للأهل.. وإنْ أسند كما أسند إليه.(12)

ويتبيّن لنا. أنّ الشرف كان للمعنى، لأنّه سلك به هذا المسلك، وتوخى به هذا المذهب. وليس للاستعارة، فكلاهما استعارة "تغيير الهندسة والديكور الداخلي".

أما أن تدع هذا الطريق -تغيير الهندسة والديكور- وتأخذ اللفظ فتسنده إلى الشيب صريحاً فتقول:

اشتعل شيب الرأس.

أو اشتعل الشيب في الرأس.

ثم تنظر.. هل تجد ذلك الحسن، وتلك الفخامة؟

وهل ترى الروعة التي كنت تراها؟

فإن قلت: فما السبب في أن كان اشتعل إذا استعير للشيب على هذا الوجه، كان له الفضل.

ولم بان بالمزّية من الوجه الآخر اشتعل الرأس هذه البينونة؟

فإن السبب: ليس في تغيير الهندسة خارجياً، ولا في تبديل الديكور داخلياً، بل أيضاً للمعنى الجديد الذي تأتّى إلى الجملة نتيجة لهذا التغيير وذاك التبديل.

وإليك شرح ذلك:

المهمّ في المعنى الجديد للجملة، وهو لمعان الشيب في الرأس -الذي هو أصل المعنى- على الشمول، وأنّه قد شاع فيه، وأخذه من نواحيه، وأنّه استقرّ به، وعمّ جملته، حتى لم يبق من السواد شيء، أو لم يبق منه إلاّ مالا يعتدّ به.

وهذا ما لايكون إذا قيل: اشتعل شيب الرأس.

أو: اشتعل الشيبُ في الرأس.

بل لا يوجب هذان اللفظان حينئذ أكثر من ظهور الشيب فيه على الجملة.

توضيح: ووزان هذا قولك: اشتعل البيت ناراً فيكون المعنى أن النار قد وقعت فيه وقوع الشمول، وأنّها قد استولت عليه، وأخذت في أطرافه ووسطه وكل ركن فيه.

أمّا إذا قلت: اشتعلت النار في البيت لاحظ التعريف في الفاعل

أو: اشتعلت نار البيت لاحظ التنكير في الفاعل

فلا يفيد ذلك -ما ذكرناه من الشمول- بل لا يقتضي أكثر من وقوع النار فيه. وإصابتها جانباً منه.. فأما الشمول، وأن تكون النار قداستولت على البيت كلّه وابتزّته، فلا يعقل من هذين اللفظين البتّة.

أرجو أن تعلموا أن في هذا المثال شيئاً آخر من جنس النظم:

وهو تعريف الرأس بالألف واللام... وإفادته معنى الإضافة من غير إضافة شيب الرأس وهو أحدُ ما أوجب المزيّة... ولو قيل: واشتعل رأسي فصرّح بالإضافة لذهب ببعض الحسن.

هكذا يحلّل الإمام عبد القاهر الجرجاني الصورة البيانية، وبهذه النظرة الشاملة ينظر إلى اللغة.

فاللغة عنده وحدة لا تنفصل فيها الصورة الشعرية عن التعبير الأدبي، بل هما كلّ لا يتجزأ، ولا تكتسب فضيلتها إلاّ من السياق، ولا تستمدّ قوّتها إلاّ من النظم.

ففهم الاستعارة، وتفسير معناها، لا يمكن تحقيقه إلاّ بعد العلم بالنظم، والوقوف على حقيقته...

لقد عرفنا أيّها السادة؛ من تحليل عبد القاهر الجرجاني للمثال السابق. كيف أنّ استعارة الاشتعال للشيب ليس كلّ ما في المثال من روعة. لأنّ الاستعارة نفسها تتوافر في أكثر من تعبير، ومع ذلك تكتسب من كل تعبير على حدة، معنى خاصاً، وتأثيراً مختلفاً، ففي كلّ من: واشتعل الرأس شيباً، واشتعل الشيب في الرأس، واشتعل شيب الرأس، تتوفر الاستعارة، ومع توافر الاستعارة في كلّ جملة من الجمل الثلاث، نرى وظيفة، ودلالة، وتأثيراً يخالف في كلّ جملة الأخرى.

-وعلى ضوء هذا التحليل الذي بسطه عبد القاهر الجرجاني.

-وعلى ضوء فكرة النظم عنده.

ننتهي إلى حقيقة لا سبيل إلى الشكّ فيها، وهي:

أنّ الفنّ ليس في الفكرة.

ولا في المعنى الأخلاقي الفلسفي.

ولا في المضمون بعامة، مهما تكن قيمة هذا المضمون.

وإنما الفنّ هو؛ في تطويع الشكل للمضمون، والمضمون للشكل، وفي ذلك إخضاع التجربة للصورة اللفظية، أوليست هذه هي البنيوية الحديثة حيث تزول فكرة الشكل والمضمون لتداخلهما معاً في لحمة واحدة؟؟

كلمتي الآن للأخوة الذين يتصدّون لنقد أي أثر أدبي، أقول:

اقرؤوا أولاً... واقرؤوا ثانياً، واقرؤوا ثالثاً، ورابعاً وخامساً وووو ثم تفضلوا بآرائكم النقدية، ونظرياتكم التقويميّة.

وعلى هذا الأساس السليم لمعنى الخلق الأدبي، يكون مجال النقد الأدبي منصباً إلى حد كبير على ما يكون في داخل الأثر الفنّي من علاقات تنشأ من الصياغة اللغوية، وترتدّ إليها -وهذه صفة تتفرد بها لغتنا العربية الجميلة عن لغات العالم كلّه.

وعلى هذا الأساس لا يتم تشابه، أو تشاكل. أو ترادف في صورتين لشاعرين، أو تعبير أدبيّين لكاتبين مختلفين... إلاّ إذا نقل الآخر عبارة الأوّل نقلاً كاملاً، دون أن يشير إلى مصدر النقل... عندئذ. وعندئذٍ فقط يكون الأخير سارقاً من الأول، أو ناقلاً دون أن يشير إلى ذلك.


(1) -انظر الحاشية في الصفحة 102.

(2) - قدمت محاضرة في صالة اتحاد الكتاب العرب فرع درعا 1995 حزيران.

(3) -تراجيديا tragedy : المأساة 2) الحتميات: كونية كالموت، ومجتمعية: كالتطور والصراع.

(4) -تراجيديا Tragedy المأساة، 2- الحتميات كالموت، ومجتمعيه : كالتطور والصراع.

(5) -جاء في مادة سطر صفحة 363 من الجزء الرابع لمعجم لسان العرب لابن منظور المصري: واحد الأساطير: الأسطورة. والأساطير: الأباطيل. أحاديث لا نظام لها. وقال أبو عبيدة: سطّر علينا فلان أتانا بالأساطير، أي بالأباطيل.

وجاء في مادة سَطَّر في الصفحة 410 من قاموس محيط المحيط لبطرس البستاني سَطّرَ: ألّف... وسطره بالسيف: صرعه وقطعه.

وسطر علينا فلان: أتانا بالأساطير.

وأساطير الأولين: أي أشياء كتبوها كذباً.

(6) -الأنثربولوجيا Anthrobog: علم يبحث في أصل الجنس البشري وتطوره ومعتقداته.

(7) -الأسس: هي حتمية الصراع والموت.

(8) -انظر مجلة الناقد العدد 32 شباط 1991 الصفحة 14 ديالكتيك الحياة والموت في أدب زكريا تامر وخليل حاوي الصادرة عن دار ريا7ض الريس لندن.

(9) -المرجع السابق.

(10) - انظر مجلة الناقد العربي 32 شباط 1991 الصفحة ديالكتيك الحياة والموت في أدب زكريا تامر وخليل حاوي الصادرة عن دار رياض الريس لندن 2) المرجع السابق.

(11) - محاضرة ألقيت في صالة اتحاد الكتاب العرب في درعا، كانون أول عام 1996.

(12) -انظر بحث المسند والمسند إليه في الكتاب السيبويه.



منقول للفائدة

تقبلوا مني فائق التقدير و الاحترام
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-forsan.yoo7.com/
 
الأدب أو الفنّ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» نظريــه النظـــم
» الأدب الاسلامي
» عالمية الأدب العربي
» الأدب المقارن العربي الى أين ؟
» الأدب العربي وأنواعه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الفرسان :: اسرة الفرسان التعليمية :: الفرسان للتعليم-
انتقل الى: