منتديات الفرسان
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الأدب المقارن العربي الى أين ؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نسمة أمل
~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~~~
نسمة أمل


عدد الرسائل : 8001
أوسمة ممنوحة : الأدب المقارن العربي الى أين ؟ 01-10-10
السٌّمعَة : 1
نقاط : -2
تاريخ التسجيل : 05/08/2007

الأدب المقارن العربي الى أين ؟ Empty
مُساهمةموضوع: الأدب المقارن العربي الى أين ؟   الأدب المقارن العربي الى أين ؟ Empty2008-04-09, 12:19 pm

1- 3- الأدب المقارن العربيّ: إلى أين؟

1- من الاندفاع إلى الركود‏

لماذا نكتب عن الأدب المقارن العربيّ تحديداً؟ هل من جديد حقيقيّ في هذا المجال، مما يستدعي أن نعرضه؟ أم انتهى هذا العلم وطويت صفحته، مما يوجب أن ننعيه ونؤبنه؟ أم تراجع إلى درجة تستدعي أن نلفت الانتباه إليه وندعو إلى وقف انهياره؟ وماذا يمكن أن يقول المرء في مقالة كهذه أكثر من عموميّات وبديهيّات؟ من الملاحظ أنّ الدراسات الأدبية المقارنة في الوطن العربيّ قد شهدت إبّان الأعوام العشرة الأخيرة ركوداً شديداً على الصعيدين الإنتاجيّ والتنظيميّ. فمن الناحية الإنتاجية لم يحقق الأدب المقارن العربيّ، بعد مرحلة الاندفاع التي عاشها في أوائل الثمانينيات وأواسطها، النقلة النوعيّة المرتقبة، لا نظريّاً ولا تطبيقياً، وقد اقتصر ما أنجزه المقارنون العرب على إعادة إصدار كتبهم القديمة في طبعات موسّعة وبعناوين جديدة (1) ، وعلى تأليف أبحاث صدرت في هذه الدورية أوتلك، وعلى ترجمة المؤلفات النظرية التي يفترض أن تكون قد ترجمت إلى العربية قبل وقت طويل. (2) أمّا على الصعيد التنظيميّ فقد استمرّت أزمة "الرابطة العربية للأدب المقارن"، تلك الأزمة المتمثلة في ربط الأمانة العامّة بالمقرّ الدائم، وفي عجزها عن أن توفق بين طابعها القوميّ وبين الواقع القطريّ للعالم العربيّ. لقد كان آخر مؤتمر عقدته الرابطة في عام 1989، أي قبل سبعة أعوام، ولم تنشأ جمعيات قطريّة للأدب المقارن إلاّ في بلد عربيّ واحد وهو مصر، ولم تتمكن الرابطة من تحقيق أي من طموحاتها العلمية وعلى رأسها إصدار مجلة عربية للدراسات الأدبية المقارنة. وباختصار فإنّ حركة الأدب المقارن العربي تبدو في التسعينيات واهنة كأنها في النزع الأخير. لماذا، ياترى؟ ألقلة عدد المقارنين في الجامعات العربية؟ لا نظنّ ذلك، فعددهم هو اليوم أكبر مما كان عليه في أيّ وقت مضى. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإنّ كلية الآداب في جامعة حمص، وهي أصغر الجامعات السوريّة وأحدثها، تضمّ في صفوف هيئتها التدريسية سبعة متخصصين في الأدب المقارن. (3) ومن المؤكد أن هذه الجامعة لا تشكّل حالة استثنائية. فأساتذة الأدب المقارن أصبحوا متواجدين بأعداد وفيرة في الجامعات العربية كلّها. ولذلك لا يمكن إرجاع ما يشهده الأدب المقارن العربي من ركود إلى قلة عدد المقارنين. فهل يرجع ذلك الركود إلى أنّ هذا النوع من الدراسات الأدبية قد أفلس، ولم يعد لديه ما يقدّمه للأدب العربيّ والثقافة العربية؟ هل فقد الأدب المقارن أهميته المعرفية والعلميّة، وفقد بذلك جدواه، ولم نعد بحاجة إليه؟‏

2- حاجتنا إلى الأدب المقارن‏

إنّ جوابنا عن تساؤلات كهذه هو أنّ عكس ذلك صحيح. فالثقافة العربية لم تكن في يوم من الأيام أحوج إلى الأدب المقارن ودراساته ومقارباته من حاجتها إليه في هذه الأيام. لماذا؟‏

إنّ أبسط تعريف للأدب المقارن هو أنه ذلك النوع من الدراسات الأدبية الذي يتجاوز في تناول الظواهر الأدبية الحدود اللغوية والقومية والثقافية للآداب. وهذا التجاوز أو تلك الإطلالة إلى ماوراء الحدود القومية للآداب قد أمست في أيامنا هذه أمراً لاغنى عنه لدارسي الأدب. فالآداب قد أصبحت متداخلة ومتشابكة بصورة لا مثيل لها في تاريخ البشرية، مما جعل من دراسة الظواهر الأدبية داخل الحدود القومية للآداب وبمعزل عن الامتدادات والتفاعلات الخارجية أمراً غير ممكن. هل يستطيع أحد أن يدرس الشعر العربي المعاصر دون أن يأخذ تفاعلاته الفنيّة والفكريّة مع الآداب الأجنبية في الحسبان؟ (4) وإذا كانت تلك حال الشعر العربي، وهي مسألة لاتقلّل من أهميته وإنجازاته، فما بالك بأدب الرواية والقصّة والمسرحية؟! إنها تنطوي على تأثر بالآداب الأجنبية متعدد الأشكال، وهذا لايضيرها أيضاً، بل يدلّ على حيويتها. فنحن نعيش في زمن غدا فيه الاكتفاء الذاتي للآداب ضرباً من الوهم. لقد مدّت الترجمة وتعلّم اللغات الأجنبية ودراسة الآداب الأجنبية والاطلاع عليها جسوراً بين الآداب لا سبيل إلى نسفها ولا إلى تجاهلها. وما دام الأمر كذلك فإنّ المنهج المقارن هو المنهج الأصحّ لدراسة الأدب في عالم اليوم. وهذا لا ينطبق على اتجاه مقارنيّ بعينه. بل ينطبق على الاتجاهات المقارنة كلها، بدءاً بالمدرسة التاريخية المعروفة بالمدرسة الفرنسية وانتهاء بالمدرسة التناصيّة، مروراً بالمدرسة النقديّة أو الأمريكية وبالمدرسة الماديّة الجدلية أو الماركسيّة.فإذا نظرنا إلى الأدب المقارن باعتباره العلم الذي يدرس "العلاقات الروحيّة الدولية" على حدّ تعبير المقارن الفرنسيّ غويار (5) ، نجد أنّ لنا مصلحة ثقافية كبيرة في أن نعرف ما يستقبله أدبنا من مؤثرات أدبية وفكرية أجنبيّة، ومايرسله إلى الآداب الأجنبية من مؤثرات أدبية وفكرية. إنّ مصلحتنا الثقافية تقتضي أن تكون علاقاتنا الأدبية بالعالم الخارجيّ علاقات متوازنة. بعيدة عن الانعزالية والتبعية. فاستقبال الآداب الأجنبية من قبلنا يعرّفنا بتلك الآداب وبشعوبها، وهذا مكسب ثقافيّ لنا. كذلك فإنّ استقبال أدبنا العربيّ في العالم من خلال الترجمة إلى اللغات الأجنبية يعرّف الأمم الأجنبية بثقافتنا ومجتمعنا وقضايانا ويبرز الوجه الحضاريّ لأمتنا. (6) وهذا أمر بالغ الأهمية. فأعداء الأمة العربية حريصون كلّ الحرص على إخفاء منجزاتها الحضاريّة والتعتيم على ثقافتها، وهم يسعون لتقديم العرب للعالم في صورة شعب همجيّ ليس له حضارة. وعندما يتعرّف العالم الخارجيّ إلى أدبنا مترجماً إلى اللغات الأجنبية، يصبح أكثر تفهمّاً لقضايانا وتعاطفاً معنا. إننا نعيش في عصر تحققت فيه نبوءة غوته المتعلقة بالأدب العالميّ. (7) فهذا العصر عصر "عولمة الثقافة". وفي هذا العصر تقدّم كلّ أمّة نفسها للعالم عبر أفضل ما لديها من إنجازات ثقافيّة. وعلى تلك الخلفية تحوّل التبادل الأدبي إلى شكل هامّ من أشكال التعارف بين الشعوب. وإذا نظرنا إلى الأدب المقارن باعتباره "علم العلاقات الأدبية الدولية" نرى أن هذا العالم يستطيع أن يقدّم لنا الشيء الكثير، وأن يساعدنا في صياغة علاقات أدبية متوازنة، تأخذ من الآداب الأجنبية أفضل وأجمل مافيها، وتقدّم للعالم الخارجيّ أجمل وأفضل ما في أدبنا من أعمال. لقد تحوّل التبادل الأدبيّ إلى مقوّم رئيس من مقوّمات حوار الثقافات. والأدب المقارن يساعدنا في أن نشارك في ذلك الحوار بنجاح.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-forsan.yoo7.com/
نسمة أمل
~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~~~
نسمة أمل


عدد الرسائل : 8001
أوسمة ممنوحة : الأدب المقارن العربي الى أين ؟ 01-10-10
السٌّمعَة : 1
نقاط : -2
تاريخ التسجيل : 05/08/2007

الأدب المقارن العربي الى أين ؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأدب المقارن العربي الى أين ؟   الأدب المقارن العربي الى أين ؟ Empty2008-04-09, 12:20 pm

وإذا أخذنا الأدب المقارن بمفهومه النقدي الذي يعرف بالمدرسة الأمريكية، ذلك المفهوم الذي يدرس الأدب المقارن بموجبه الظواهر الأدبية في جوهرها الجماليّ بصورة تتجاوز الحدود اللغوية والقومية للآداب من جهة، ويقارن الأدب بالفنون ومجالات الوعي الإنساني الأخرى من جهة ثانية، فإنّ استخدام هذا المنهج المقارن في دراسة الأدب العربي أمر عظيم الفائدة. فالعديد من ظواهر الأدب العربي لا يفهم بصورة سليمة إلاّ إذا استخدم المرء ذلك المنهج. هل يمكن أن تفهم أجناس رئيسة في الأدب العربي، كالمسرحية والرواية والقصّة القصيرة والأقصوصة، مالم تؤخذ أبعادها الخارجية والعالميّة في الحسبان؟ وهل يمكن أن تفهم المدارس والاتجاهات الأدبية، الفنيّة والفكرية، في الأدب العربي الحديث بمعزل عن تلك الأبعاد؟ من يستطيع أن يفهم الرومانسيّة في الأدب العربي بمعزل عن تأثرها بالرومانسيّة في الآداب الأوروبية؟‌! ألم يتفاعل الأدب العربي، قديمه وحديثه، مع الاتجاهات الفكريّة الأجنبيّة، بدءاً بتفاعله مع الفلسفة اليونانية القديمة والحكم الهنديّة والفارسيّة، وانتهاء بتفاعله مع الفلسفتين الأوروبيتين الحديثتين الوجودية والماركسية؟ (8) وماذا عن علاقة الأدب العربي بالفنون التشكيلية وبالموسيقى والغناء؟ أليس من المثير معرفيّاً أن تدرس تلك العلاقة وأن يظهر الباحثون أوجه التشابه والاختلاف بين تطوّر تلك الفنون وبين تطوّر الأدب العربي؟ وماذا عن عالميّة الأدب العربي؟ إنّ مفهوم "الأدب العالمي" هو أحد المفاهيم الرئيسة في الأدب المقارن، ونحن معنيّون بأن يتجاوز الأدب العربي حدود المحليّة، وأن يُعترف به كأحد الآداب الكبرى في العالم. وهذا لا يمكن أن يتمّ ما لم يترجم أفضل أعماله إلى اللغات الأجنبية، ويقدّم نقديّاً بصورة مناسبة، ويستقبله المتلقون في العالم على نطاق واسع. أمّا العلم الذي يرصد مدى نجاح الأدب العربي في بلوغ العالميّة إنتاجاً وترجمة وتوسيطاً واستقبالاً فهو الأدب المقارن، الذي يمكن أن يكون دليل الأدب العربي إلى العالميّة.‏

وهناك اتجاه رئيس آخر في الأدب المقارن يرى فيه علماً يدرس التشابهات التيبولوجية أو النمطيّة بين الآداب. فالتشابه بين أدب قوميّ وأدب قوميّ آخر أو مجموعة من الآداب القوميّة الأخرى لا يرجع إلى عامل التأثير والتأثر فقط، بل هناك من التشابهات بين الآداب ماليس له بالضرورة علاقة بذلك العامل. إنها التشابهات التي أطلق عليها المقارن الروسيّ الشهير فيكتور جيرمونسكي (VIKTOR ZIRMUNSKY) تسمية "التشابهات التيبولوجية أو النمطية" (9) . ودراسة هذه التشابهات بين الأدب العربي وبين الآداب الأخرى، قريبة كانت كالأدبين الفارسيّ والتركيّ، أم نائية كآداب الصين واليابان وفيتنام والفلبين وأمريكا الجنوبية، يمكن أن تساعدنا في فهم كثير من جوانب أدبنا، كخصوصيّة الأجناس الأدبية فيه، أو خصوصية التيارات والمدارس الأدبية وتوقيت ظهورها. إن دراسة التشابهات التيبولوجية تظهر لنا ما هو عامّ ومشترك بين أدبنا وبين الآداب الأخرى، وما هو قوميّ وخاصّ بذلك الأدب، وهذا مكسب معرفيّ كبير لنا.‏

وفي الأعوام الأخيرة ازدهر في الدراسات المقارنة ذلك النوع من الدراسات الذي يتخذ من نظرية التناصّ أساساً له. وشيئاً فشيئاً يحلّ هذا النوع من الدراسات محلّ التأثير والتأثر التي يقدّم نفسه بديلاً لها. إن دراسة علاقات التناصّ بين أعمال من الأدب العربيّ وأعمال من الآداب والثقافات الأجنبية هي مكمّل جيّد لدراسات التلقي الإبداعيّ. فهذا يؤدي بالضرورة إلى ظواهر تناصّ بين الأدب العربي والآداب الأجنبية. إنّ الدراسات المقارنة التي تستند إلى نظريتي التناصّ والتلقي الإبداعيّ المنتج كفيلة بتصحيح النظرة إلى علاقة أدبنا بالآداب الأجنبية، وبأن تضع حدّاً لكلّ ذلك الجدال حول "السرقات الأدبية" وحول خضوع الأدب العربي الحديث لمؤثرات أجنبية أفقدته أصالته. فالنصّ الأدبي العظيم، المتطوّر فنيّاً وفكريّاً، هو بالضرورة نصّ ينطوي على درجة عالية من التناصّ والتأثر والتلقي الإبداعيّ. لقد وضعت نظرية التناصّ ودراساتها مسألة الأصالة في سياقها الصحيح، وأظهرت أنّ النصوص الأدبية متشابكة ومترابطة فيما بينها بصورة لا تنفصم، وأنه ما من نصّ إلاّ ويحمل في طياته علاقات وثيقة مع عدد كبير من النصوص الأخرى، وكلّما كانت درجة التناصّ أعلى كان العمل الأدبيّ أعظم وأكمل (10) . إنّ دراسة علاقات التناصّ بين أعمال من الأدب العربي وبين الآداب والثقافات الأجنبية هو أمر ينطوي على فائدة معرفية كبرى. وهذه الدراسة لا تقلل من أهمية الإنجازات الفنيّة والفكريّة التي حققها الأدب العربي الحديث، بل تضع حدّاً لمحاولات الانتقاص من تلك الإنجازات عبر "الكشف" عن مؤثرات أجنبية فيه. فليس العيب أن يتضمّن الأدب العربي الحديث مؤثرات كهذه، بل العيب كلّ العيب هو أن يخلو من تلك المؤثرات. فهي دليل على أن الأدب العربي الحديث أدب حيّ، يتفاعل مع الآداب والثقافات الأجنبية مستقبلاً ومرسِلاً.‏

3- قضايا مستجدّة‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-forsan.yoo7.com/
نسمة أمل
~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~~~
نسمة أمل


عدد الرسائل : 8001
أوسمة ممنوحة : الأدب المقارن العربي الى أين ؟ 01-10-10
السٌّمعَة : 1
نقاط : -2
تاريخ التسجيل : 05/08/2007

الأدب المقارن العربي الى أين ؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأدب المقارن العربي الى أين ؟   الأدب المقارن العربي الى أين ؟ Empty2008-04-09, 12:21 pm

إلاّ أنّ الأدب المقارن ليس مطالباً بأن يساهم في فهم الأدب العربي وعلاقاته وامتداداته الفكرية والفنيّة الخارجية فحسب، بل هو مطالب أيضاً بأن يساهم في تقديم إجابات عن القضايا والأسئلة الثقافية الرئيسة للمجتمع العربي في هذه المرحلة من تطورّه. فكلّ علم من العلوم الإنسانيّة لا يساهم في تقديم تلك الإجابات يصبح علماً هامشياً ويكون مصيره الزوال. وفي مقدمته القضايا التي ينبغي للأدب المقارن أن يساهم في معالجتها قضيّة حوار الثقافات. إنّ قسماً كبيراً من ذلك الحوار الذي بات أكثر إلحاحاً مما كان عليه في أيّ وقت مضى يمكن أن يتمّ من خلال التبادل الأدبيّ ترجمة وتوسيطاً نقدياً. وإذا كان حوار الثقافات يعني، من بين ما يعنيه، أن يتعرّف أهل كلّ ثقافة إلى ثقافة الشعب الآخر بصورة أفضل، وأن تزال حالات سوء الفهم والتحاملات والصور المشوّهة والأحكام المسبقة التاريخية والمعاصرة.. فإنّ باستطاعة الأدب المقارن أن يؤدّي دوراً كبيراً على هذا الصعيد. فهو يساعد في تسهيل التبادل الأدبي وتفعيله، وفي التقريب بين الشعوب وإبراز العناصر المشتركة بينها، وذلك من خلال مقارنة آدابها وثقافاتها، بعضها بالبعض الآخر. وهذا دور ثقافي حيوي في زمن تصاعدت فيه حدّة الصراعات الثقافية في العالم، مما حمل بعض المنظّرين على الاعتقاد بأنّ "حرب الثقافات" ستحلّ محلّ حرب الإيديولوجيات وصراع الطبقات. (11) إنّ التبادل الأدبي والثقافيّ هو خير وسيلة لإحلال حوار الثقافات وتعايشها محل الصراع والتناحر الثقافيين، وإحلال التسامح الثقافيّ محلّ التعصّب الثقافي.‏

والعصر الحاليّ لم يعد عصر الثقافة المقروءة بالدرجة الأولى، بل عصر الثقافة المسموعة والمرئية والمحوسبة، ومن أبرز سمات الثقافة في هذه المرحلة بروز تلك الأنواع والأشكال الثقافية المرتبطة بالبث التلفزيوني والفيديو والكومبيوتر. لقد كان لتعاظم الدور الثقافي للتلفزيون والفيديو والحاسوب تأثير كبير على تلقي الأدب، تمثل في تراجع استقبال الأعمال الأدبية المكتوبة من جهة، وصعود أشكال من الإنتاج الثقافيّ، وعلى رأسها الدراما التلفزيونية من جهة أخرى ترى هل يتجاوب الأدب المقارن مع تلك التطوّرات الثقافية الهائلة، فيواكبها ويتعامل معها بصورة إيجابية، ويتناول نتاجاتها وموادّها وأشكالها بالدرس المقارن، أم يتجاهلها، ويعتصم في برجه العاجيّ ويتصرّف كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال؟ في الحالة الأولى هناك من يتخوّف من أن يتحوّل الأدب المقارن إلى "نقد تلفزيوني" مقارن أو إلى نقد ثقافي مقارن. إنّ اعتراضات واحتمالات كهذه لا يجوز أن تخيف المقارنين. فالمهم في الأمر هو أن يواكب الأدب المقارن ما تشهده الساحة الأدبية والثقافية من تطوّرات، وأن يقارن نتاجات أدبية وثقافية معاصرة تنتمي إلى مجتمعات وثقافات ولغات مختلفة. وأن يساهم في تطوير الثقافة العربية. وليس خافياً على أحد أنّ الانتقال من الأدب المقروء والثقافة المقروءة إلى الأدب والثقافة المسموعين- المرئيين يحمل في طياته أخطاراً كبيرة، وفي مقدّمتها خطر سيطرة الثقافة المعلّبة التي تبثّ قيماً لا إنسانية تُنشر بوساطة أساليب الإثارة المنحطّة، كالعنف والجنس. وهذا خطر كبير يحدق بالبشرية، وهو يقتضي أن يكون الأدب المقارن انتقادياً، يكشف ويفضح ما يمارس عبر وسائل الاتصال الجماهيري من تزييف للوعي الإنسانيّ وتلاعب به. إلاّ أن تلك الوسائل تنطوي أيضاً على فرصة إيصال المادّة الأدبية والثقافية الجيّدة إلى جمهور واسع من المتلقين، ولذا من الخطأ الدعوة إلى مقاطعة تلك الوسائل وتجاهلها ورفض كلّ ما تنقله. فليس هناك ما هو أخطر على الثقافة الجيّدة من التقوقع والنخبوية والابتعاد عن الجماهير. ومن الضروري أن ينتبه الأدب المقارن إلى مخاطر تلك النزعة.‏

ولئن كان العالم المعاصر يخطو بسرعة مذهلة نحو "عولمة الثقافة"، فإنّ تلك العولمة العشوائية تفرز في مناطق كثيرة نزعات انعزالية وأصولية لها تعبيرات فكريّة وأدبية وثقافية متشابهة، على ما بينها من اختلاف. إنّ باستطاعة الأدب المقارن أن يقدّم لنا الشيء الكثير، وذلك بدراسة النتاجات الأدبية والثقافية لتلك النزعات دراسة مقارنة، تظهر ماهو مشترك بينها.‏

والشيء نفسه يمكن أن يقال فيما يتعلق بقضايا رئيسة معاصرة، كقضيّة الغربة وفقدان الشعور بالطمأنينة في الوطن وبين الأهل. فالغربة ظاهرة عالمية لها تعبيرات أدبية وثقافية لا حصر لها في آداب وثقافات كثيرة، وبوسع الأدب المقارن أن يقدّم لنا الكثير إذا قام بدراسة تلك النتاجات الأدبية والثقافية دراسة مقارنة. ومن القضايا الرئيسة لهذا العصر قضية الحركات والأنظمة الشموليّة، التي تنتهك حقوق الإنسان وحرياته الديمقراطية الأساسية، وترتكب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضدّ الإنسانية، وهذه ظاهرة عالميّة تشكّل خطراً على الإنسانية والحضارة. من الخطأ الاعتقاد أن هذه الظاهرة قد اختفت من العالم باندحار النازيّة والفاشيّة وبسقوط الشيوعيّة الستالينية. والدراسة المقارنة للظاهرة المذكورة وتجليّاتها الفكريّة والأدبية والثقافية يمكن أن تساعد كثيراً في فهمها والتصدّي لها. وقضية المرأة وما تتعرض لها من تمييز وظلم وقمع وتضليل هي بدورها موضوع عالميّ ذو تعبيرات أدبية وثقافية كثيرة من الضروري أن تدرس دراسة مقارنة. وما قلناه عن هذه القضية يمكن أن يقال عن قضايا كثيرة أخرى كموضوع الشبيبة، والهوية الوطنية في زمن العولمة، وغير ذلك من القضايا الثقافية والاجتماعية الراهنة في مجتمعنا العربي ومجتمعات كثيرة أخرى. إنها قضايا جوهريّة يستطيع الأدب المقارن أن يقدّم مساهمة كبيرة في فهمها والتعامل معها. وعندما يقوم الأدب المقارن بذلك فإنه يقاوم التهميش ويضع نفسه في صلب المعركة الثقافية المعاصرة التي يخوضها مجتمعنا على مشارف القرن الحادي والعشرين.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-forsan.yoo7.com/
نسمة أمل
~~~~~~~~~~~~~
~~~~~~~~~~~~~
نسمة أمل


عدد الرسائل : 8001
أوسمة ممنوحة : الأدب المقارن العربي الى أين ؟ 01-10-10
السٌّمعَة : 1
نقاط : -2
تاريخ التسجيل : 05/08/2007

الأدب المقارن العربي الى أين ؟ Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأدب المقارن العربي الى أين ؟   الأدب المقارن العربي الى أين ؟ Empty2008-04-09, 12:21 pm

4- سبل التجديد‏

إلاّ أنّ قيام الأدب المقارن بذلك الدور يتطلّب منه:‏

1- أن يراجع أسسه وأدواته النظرية وأن يطوّرها باستمرار، وأن يستوعب لهذا الغرض كلّ ما يستجدّ في العلوم الإنسانية وعلوم الثقافة من مناهج واتجاهات وفكر ونتائج، خصوصاً في علوم المجتمع وعلم النفس والأنتربولوجيا والفلسفة وعلوم اللغة وغير ذلك من العلوم. فهذا التفاعل هو الضمانة الحقيقية لئلا يتخلف الأدب المقارن نظرياً وألا يصاب بالجمود.‏

2- ألا يقع الأدب المقارن في مطبّ النخبوية الأكاديمية، التي تحصره في برج عاجيّ، وتمنعه من التعامل مع القضايا الثقافية الساخنة، وتحكم عليه بالتهميش.‏

3- أن يحافظ المقارنون على منابر ومؤسسات التواصل العلميّ الاختصاصيّ العائدة إليهم وأن يطوّروها ويفعلوها، وأبرزها الكونفدرالية الدولية للأدب المقارن (AILC) والرابطة العربية والجمعيات القطرية للأدب المقارن وما تصدره تلك المؤسسات من دوريات ومنشورات‏

إن هذه الأمور تضمن أن يتمكن الأدب المقارن من أن يؤدي الدور الثقافي المعول عليه، وهو دور لا نبالغ إذا قلنا إن الثقافة العربية المعاصرة في أمس الحاجة إليه. ترى ألا يسوغ ذلك أن نجدد الدعوة إلى الأدب المقارن؟‏

الهوامش والإحالات:‏

(1) هذا ما فعله المقارنان المعروفان الدكتور حسام الخطيب والدكتور عز الدين المناصرة. فقد أعاد الأول طباعة كتابه: الأدب المقارن (جامعة دمشق، 1982) ووضع له عنواناً جديداً هو: آفاق الأدب المقارن عربياً وعالمياً (دمشق: دار الفكر، 1992) ، أمّا الثاني فقد أصدر طبعة جديدة معدّلة من كتابه: مقدّمة في نظرية المقارنة (عمّان: دار الكرمل، 1988) بعنوان جديد هو: المثاقفة والنقد المقارن (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات 1996) .‏

(2) إنّ أحدث تلك الترجمات هو كتاب المقارنين الفرنسيين بيير برونيل/ كلودا بشوا/ أندريه روسو: ما الأدب المقارن؟ ترجمة د.غسان السيد. دمشق: منشورات علاء الدين، 1996.‏

(3) راجع دليل جامعة البعث. حمص 1995.‏

(4) راجع بهذا الشأن: فخري صالح (تحرير) : المؤثرات الأجنبية في الشعر العربي المعاصر، بيروت المؤسسة العربية للدراسات، 1995.‏

(5) ماريوس فرانسوا غويار: الأدب المقارن. تر. هنري زغيب، بيروت، منشورات عويدات 1988، مقدمة الكتاب.‏

(6) حول دور الترجمة الأدبية في تشكيل صورة العرب في العالم راجع كتابنا: هجرة النصوص- دراسات في الترجمة الأدبية والتبادل الثقافي. دمشق: منشورات اتحاد الكتاب العرب، 1995، ص55- 87.‏

(7) حول مفهوم "الأدب العالمي" عند غوته وفي الأدب المقارن راجع كتابنا: الأدب المقارن- مدخل نظري ودراسات تطبيقية، ص235- 248.‏

(8) راجع بهذا الخصوص: إحسان عباس: ملامح يونانية في الأدب العربي، المؤسسة العربية للدراسات، بيروت، ط2، 193؛ عيسى العاكوب: تأثير الحكم الفارسية في الأدب العربي، دمشق، دار طلاس، 1989، حسام الخطيب: سبل المؤثرات الأجنبية وأشكالها في القصة السورية، دمشق، المكتب العربي، 1980.‏

(9) راجع: فيكتور جيرمونسكي: التيارات الأدبية بوصفها ظاهرة دولية. تر. غسان مرتضى. في: الآداب الأجنبية، ع 83، صيف 1995، ص137- 174.‏

(10) راجع بهذا الخصوص: شربل داغر: التناصّ سبيلاً إلى دراسة النصّ الشعري. في: السفير الثقافي، 13/12/1996.‏

(11) إنّ أبرز هؤلاء المنظرين هو الأمريكي صموئيل هانتينغتون: الإسلام والغرب - آفاق الصدام. تر. مجدي شرشر. القاهرة، مكتبة مدبولي، 1995.‏


منقول للفائذة

احترامي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-forsan.yoo7.com/
 
الأدب المقارن العربي الى أين ؟
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الأدب المقارن والاتجاهات النقدية الحديثة
» عالمية الأدب العربي
» الأدب العربي وأنواعه
» وظيفة الشعر في الأدب العربي القديم
» نظريــه النظـــم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات الفرسان :: اسرة الفرسان التعليمية :: الفرسان للتعليم-
انتقل الى: