نسمة أمل ~~~~~~~~~~~~~
عدد الرسائل : 8001 أوسمة ممنوحة : السٌّمعَة : 1 نقاط : -2 تاريخ التسجيل : 05/08/2007
| موضوع: الفصل الأول البحوث والدراسات الفكرية والنقدية 2008-04-09, 11:23 am | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفصل الأول البحوث والدراسات الفكرية والنقدية
نحو إنشاء علم عربي للسياسة
وإني على شديد إيماني العميق بحريّة الإنسان، التي هي أثمن من كلّ شيء، في هذا الوجود، يفقد إذا فقدها شرف انتمائه إلى فصيلة الإنسان، ويستحيلُ إلى شيء أشعرُ إلى درجة التمزق بالظلم الذي يسلب الإنسان. في نصف العالم رأيَه، ويسلبه في النصف الآخر رغيفه.
أمّا في العالم الثالث، فلا رأياً، ولا رغيفاً البتّة، لأنه أُريد لنا أن نُصلبَ، وأن نتعذّب، وأنْ نُعرضَ في سوق النخاسة ونُباعَ لمن يدفعُ أكثر، وأن نُمْتَهنَ أكثر فأكثر حين نَقبلُ عرّاب "كامب ديفد" رئيساً للجنة الدفاع عن القدس...
ورغم أنّنا ثُرنا، وناضلنا، ورفضْنا، ولكنّهم وللأسف من داخل الثورة تسلّلوا إلينا- ومن خلال حلبات النّضال دخلوا علينا، فهجّنونا، ودجّنونا، وفرضوا علينا بأسلوب الزّار، والتكايا، والزوايا حيناً، وبمنطق المزهر والطبل والربابة والدفّ أحياناً أخرى؛ إيماناً غبياً بطريقتهم الخاصة، وبمنطقهم الغريب.
إلاّ أننا رفضنا وبإصرارٍ مرة أخرى، ذلك الإيمان الغبي بالطريق الواحد بمنتهى البساطة والعفوية... وكان عليهم أن يقبلوا رفضنا دون تشنج، وعقدِ الفوقيّة أو التحتيّة، وبمنتهى البساطة والعفويّة أيضاً... لأنّه عندما تتعدّد الطرق يكون اختيارُ الأفضل سهلاً، وفرصة سانحة أمام الإنسان ليمارس إنسانيّته وحقه في حريّة اختيار مصيره، لأنّ الحريّة اختيار، ومسؤولية... ومن هنا يتولد عذابنا، وكأنّه قدرٌ علينا أن نسامَ العذاب.
لأنّهم؛ بعنادِ الكفر في أحسن الأحوال، وبحكم الارتباط والعمالة في أردأ الظروف فوّتوا علينا وعلى أنفسهم فرصة الاختيار، فرصة الحرية، فرصة المشاركة في تحمل المسؤولية وحاولوا أنْ يرغمونا على الدخول من البوابة الخلفية "لكامب ديفيد" وخنقوا الناس تحت سقف من الاضطهاد والقمع والتهريج والتجويع، فرفضنا. وانطلت على بعضنا لعبةُ جعجعة طواحين الإعلام الدونكيشوتية، ومحطات الأقنية الفضائية التي ما طحنت قطّ إلاّ الهواء والهُراء... فأجهض الفكرُ، واصطيد الأحرارُ والشرفاءُ كما تُصطاد العصافير، ولو حقوا، وما زالوا يلاحقون ويصطادون كما تُصطاد الجرذان في كلّ مكان، وتلصقُ بهم شتى التهم؛ إرهابيون، يرعون الإرهاب، أعداءُ السلام... فحيثما شاهدت مفكراً حراً يطارد، أو جماعة رفضت أن تستسلم، تستطيع أن تلمس خيوط المؤامرة.. المؤامرة التي تسعى لاجتثاث قيم الخير في مجتمعنا... هذا هو دليلكم الساطع على منطقة تنفيذ المؤامرة التي تُدبَّر ضدَّ أمتنا الضائعة في بحر المتناقضات. والمؤامرات التي تُحاك ضدّ شعبنا المكافح، بملاحقة أحراره، ومطاردة مفكّريه، فحيثما شاهدتم أو سمعتُم بأنّ مفكراً يضطهد وحراً يلاحق، ومجتمعاً يُتّهم بالإرهاب أومساندة الإرهاب، بطريقة أو بأخرى، بأسلوب أو بآخر؛ فاعرفوا أنّ المؤامرة تنفّذ كما رسمتْها الدوائر المعادية لأمتنا ودفاعها المشروع عن حقِّها في الحياة.
وبسبب ذلك. بسبب سلخ المفكرين والأحرار عن الشعب، وكمّ أفواهِهم تدهورتْ الأمورُ، واندفعت إلى التسيّب والتحلّل والتجرّد من كلّ قيم الفكر الخيّرة، كيف لا وقد غُرِّب روادها... فتدحرجت حالنا إلى مستنقعات الأوحال والظلام، فشاهت الوجوه، وفقدت الأشياء أشكالها، وفرّت الأصبغة عن ألوانها، والمفردات عن معانيها، وتعهّر كلّ شيء، وخاب كلّ رجاء، وطفتْ على سطح المجتمع طبقةٌ من الدهماء والانتهازيّة، دفعت عجلة التقهقر بغباء، فضاعوا، وكدْنا أنْ نضيعَ معهم، لولا بقيّةٌ قليلة من إيمان لا يتزعزع، واختلاجة حية من فكر يتوقد ضياءاً يُنير الدرب الطويل المقفر من الرواد -لعل الله يهدي المالكين لزمام القرار في أمتنا إلى التبصّر والحكمة. فيبعدون الدهماء والأمّيين وأنصاف المتعلّمين والقرّادين عن معاهد العلم. ومنابر الثقافة، ليظلّ هناك أملٌ في خلق جيلٍ مثقّفٍ يؤمن بشيء اسمه الوطن. قادر على استيعاب مبادئ الحرية وتطبيقاتها، وتحمل مسؤولياتها -لذهب كلّ شيء وضاع كل رجاء. فبغير الحرية الحقيقية لا أمل يرجى، ولا خير يُنتظر في هذه الأمّة. لا أمل بغير تلاقح الأفكار، واخضاعِها لمصلحة الجميع، لالفئةٍ تستأثر بالسلطة دون غيرها... بالديمقراطية وحدها، وبالحرية نفسها تحيا الشعوب وتنهض الأمم، وتتحادى هادرة على دروب الحياة، تملؤها فرحاً، وتزرعها ابتسامات تزينُ وجوه الملايين...
علينا أنْ ننظر بالعين الساهرة والبصيرة الثاقبة إلى رياح التغيير الذي يعصفُ بالعالم من حولنا، إذ ليس من قدرنا أن نتخلف عن بقية الشعوب أكثر من ذلك. افتحوا عقولكم أيّها المتخلّفون، وشرعوا أبوابها للحقّ والخير والمحبة والحريّة، يا أمةً تقادُ إلى المذبح كالقطعان، وإلى دهاليز سياسات التنازل والتفاوض مع الأعداء. وارفضوا الاستماع إلى دعوات محترفي الجلوس إلى موائد المفاوضات... انضمّوا إلينا، إلى صفنّا، فما زلنا صامدين، تعالوا إلينا قبل فوات الأوان.
نحو إنشاء علمٍ عربي للسياسة
إنّ أوّل ألفباء العلوم السياسية في العالم هو الحوارُ الديمقراطي... وبغير هذا الحوار تتلاشى معلوماتية العلوم السياسية في ضباب الممارسة المغلوطة، إذْ يقول الدكتور جورج جبور في مقدمة كتابه الذي نحن بصدد إلقاء بعض الضوء عليه "نحو علمٍ عربي للسياسة":
"إنّ فقدان الحوار الديمقراطي ظاهرة خطيرة جداً في حياتنا بشكل عام، ومنها حياتنا الفكرية، وبهذا المعنى أدعو، بل أرجو كلّ من بدت صورته من خلال الكتاب مخالفة لتصوره عن نفسه، إلى تقديم وجهة نظره وبالنحو الذي يراه مناسباً، على أن يكون عَلَنياً، فليس بغير الحوار وما يتضمنه من أخذ وردّ، تُجلى الحقيقة التي هي ضالةُ المفكر الجاد" وسبيل الأمّة أو المجتمع إلى التوازن والتقدّم والإرتقاء والتحضّر.
وهل يملكُ المفكّر منّا غير الدعوة والرجاء؟
وسط هذا الجوّ العربي العابق بروائح الجالدين والمجلودين، أو المفروض عليهم الرشد والغواية، وفقاً لرشد السلاطين وغوايتهم يقول الدكتور جبّور في كتابه: "صعبٌ استقرار تقاليد لعلوم سياسيّة عربيّة، تنبثق عنها رسالة، ويحمل عبء الرسالة مبدعون، في جو اجتماعي سديمي، لم تتضَّحْ بعد إجابته على أوّل ما يسأل الكائن الحيّ نفسه عنه إذْ ينضج؛ من أنا؟ من أنا في عمقي، في إنْيَتي، وفي مواجهة الغير؟"
على الرغم من هذه السديميّة الكثيفة على امتداد الساحة الفكريّة في هذا الوطن الكبير الممزق، لا بد للمفكّر العربي من أنْ يقامر برأسه في سبيل كلمة صدقٍ يقولها خدمة لأمته في مواجهة "مسرورٍ" وسيفه المسلول. لا بدّ له من أنْ يتجاهل كلّ المعوقات، والمثبِّطات كلّها، وخبزات الأولاد غير المؤدمة كلّها، وأن يكون رائداً فدائياً يحملُ صليبه على كتفيه، وكفنه تحت عطفيه. وما الدراسة هذه التي نضعها ثمرةً دانية بين أيديكم، ورهن أسماعكم هذه الأمسية إلاّ نتاج فكري بمستوى التحدي الذي نُواجهه، وبمستوى المسؤولية التي ندّعي حملها في مواجهة الجماهير، يقول الدكتور جبور: "الدراسة التالية تحاول فتح طريق إلى علم عربي للسياسة، فيها صلفُ الفتح، بل وغروره، وفيها وعورةُ الطريق، إلاّ أنّه فيها اتّضاحُ الهدف واتّساقهُ مع أهداف الأمّة العربية.
"إنّنا إذا كنا نتصدّى اليوم لتكوين وإنشاء علم عربي للسياسة -فليس ذلك سهلاً رغم أنّ هذا العلم يبتدئ مع بداية الإنسان لمعالجته شؤونه العامة على كوكبنا هذا -وليس صعباً أيضاً -لأنه ما من حكيم أو عالم تصدى لهذا الأمر إلاّ وترك لنا تعريفاً صالحاً."
فقد قدّم المؤلف للفكر السياسي العربي تعريفاً على أنّه "التعبير الأعم لتلك الفعالية الذهنية التي يقوم بها الإنسان لدى تصديه لمعالجة المسائل الكبرى الناجمة عن التنظيم الهرمي للإجتماع البشري".
ولو قارنا هذا التعريف الذي قدَّمه مفكرنا الدكتور جبّور مع التعاريف الأخرى لينسجم مع تعبير علم السياسة أو العلم السياسي، لما احتجنا لغير كلمة واحدة فقط هي المنظمة) فيصبح التعريف على الشكل التالي: "هو التعبير الأعم لتلك الفعالية الذهنية المنظمة) التي يقوم بها الإنسان لدى تصديه لمعالجة المسائل الكبرى الناجمة عن التنظيم الهرمي للاجتماع البشري. "ولهذا التعريف كما ترون فضيلة وظيفية هامة هي تحديده السياسة بأنّها المسائل الكبرى).. أمّا العلم؛ ففعالية ذهنية منظمة". وهو بهذا يختلف عن الفكر الذي قد يرتبط به كل ما جرى على ارتباط العلم به من تنظيم. والحقَّ أنّه إذا كان ثمّة وضوح في صميم ما تتعامل به السياسة، فهو أساساً شؤون الحكم. إلاّ أن ثمة غموضاً في حدود السياسة. أي تخومها.
وفي اعتقادي: يظلّ أيّ تعريف منطقي متماسكٍ للسياسة قاصراً عن مجاراة السياسة في حركتها اليومية، ذلك أن المتابعة اليومية تعلّمنا أنّ السياسة ليست بما هي، بل بما يراها الناس... فما ينشغل به الناس، عامةُ الناس: هو سياسة، وإنّ لم تستبن سياستُه للوهلة الأولى... وبالمقابل؛ قد يكون أهمّ بحث دستوري أو سياسي خارج إطار السياسة إن لم يحظ في جوهره، وفيما يترتب عليه باهتمام الناس".
وهكذا نرى أنّ "هذا التعريف للسياسة، الذي يجاري حركتها اليومية، يجعل منها، كما هي؛ قِمَّة العلوم الاجتماعية، أو العلم الذهبي لهذه العلوم، والتي أفضّل أن يطلق عليها: اسم علوم السياسة من حيث أنّ المجتمع -كمجتمع- إنّما هو في التحليل المنطقي له: المادة الخام للبشر الذين بوعيهم لعلاقاتهم يصبحون مجتمعاً سياسياً...."
ويكتفي المؤلّف بهذا التعريف، وخيراً فعل، خشية بعض الردود "المدججة بجميع أنواع المقتطفات المستخلصة من كتب شخصيّاتٍ -غربية أو شرقية- وأتوقع أن يكون أصحاب الردود من الذين تحكَّمت بهم، وعلى فترة زمنية طويلة، مدارس فكرية معيّنة، أصحابها من الشخصيات المشار إليها" بغية الهروب من النقاشات العقيمة، والتركيز على الجوهر الذي من أجله تدور هذه الدراسة والمنبثق من صميم السياسة اليومية العربية المعاشة.
وهكذا نصل إلى بؤرة الموضوع، موضوع دراستنا هذه -حيث تجشمتُم عناء الحضور لسماعه والذي أطرحه على شكل صيغة تساؤل:
-لماذا نريد علماً للسياسة العربية؟
-وكيف يكون علمُ السياسة عربياً؟
وفي سبيلنا للإجابة نقول: من حيث أن العلم شمولي، فليس ثمة مكانٌ لإضفاء صفة قومية عليه... وهكذا فإنّ القول بوجود علم عربي -للسياسة- يحمل تناقضاً بين حدّي التعبير... ولكن لهذه الفكرة البسيطة نظائر فيما بحث فيه مفكرونا القوميون بشأن الإشتراكية، حتى انتهى القول لدى معظم القوميين العرب الاشتراكيين: إلى أن ثمة طريقاً عربياً للإشتراكية، وليس ثمة اشتراكية عربية.
ولكنّ ثمّة علماً عربياً للسياسة بمقتضى ما قلناه: من أنّ علم السياسة، هو علم المسائل الكبرى لمجتمع ما، هو هنا المجتمع العربي... وهكذا يصبح المعنى المشخص للعلم العربي للسياسة: هو علم المسائل الكبرى التي تشغل المجتمع العربي... وهذا المعنى المشخص للعلم العربي للسياسة يصعد بالعلم المقترح إلى مصاف علم السياسة كما تطور في العالم الغربي، أوربا الغربية، وأمريكا الشمالية) أو كما تطور في العالم الشرقي أوربا الشرقية).
يتبع | |
|
نسمة أمل ~~~~~~~~~~~~~
عدد الرسائل : 8001 أوسمة ممنوحة : السٌّمعَة : 1 نقاط : -2 تاريخ التسجيل : 05/08/2007
| موضوع: رد: الفصل الأول البحوث والدراسات الفكرية والنقدية 2008-04-09, 11:24 am | |
|
ذلك أنّ الحقيقة التي تغرب عن بال كثيرين منّا، من الذين تخصصوا في العلوم الاجتماعية -سواء في العالم الغربي أو العالم الشرقي- هي أنّ علم السياسة الذي تلقوه؛ إنّما هو علم سياسة المجتمعات التي درسوا ذلك العلم فيها، وليس علماً شمولياً كما يراد لهم أنْ يؤمنوا -وذلك- مجاراة منهم لإيمان معلِّميهم".
1-ويضرب المؤلف جبور أمثلة حيّة على ذلك توضيحاً لهذه المقولة فيقول: "ولنأخذ مثلاً بسيطاً أولياً من القانون الدولي: كان لهولندا مصلحة معينة في تنظيمات خاصة لقانون البحار، وفي ترتيب المصالح المتضاربة بين الدول، وكانت القوة هي المعيار... ثم في فترة نُضج حضاري معيّن ينبثق من هذا النضج رجل مثل غروشس) تحرّكه مصلحة بلاده، ويحركه الوعي العلمي الواسع، فيضع قانوناً دولياً، أو بالأحرى مقالةً مطوّلة موثقة في قانون البحار ويكون لمصلحة هولندا في قانون البحار هذا نصيبٌ. وإذْ أنّ لهولندا قوتها العسكرية كما لها مؤسساتها العلمية، فهي بقوتها تدافع عمّا تراه حقوقها البحرية، وهي بمؤسّساتها العلمية تكرّس غروشس) أباً للقانون الدولي -وتكرس بالتالي- غيره تلاميذ له يدرُسون عليه، وتزيد بالعلم دعمها لحقوق بحرية لها، لدى تلاميذ غروشس هؤلاء، بعد أن تُقنعهم بحياد العلم لأنّه شمولي، وحياد القانون الدولي -وهو أرسخ العلوم الاجتماعية وأكثرها اقتراباً ظاهرياً من الشمولية أمّا الدارس على غروشس فيصبح إيمانه الفعليُّ بمصلحة هولندا جزءاً من مقاربته الفكرية للقانون الدولي.
2-وإذا أخذنا غروشس مثالاً من القرن السابع عشر، فلأنه يعدّ أبو القانون الدولي، كما تعلّم الدارسون في كُليّات الحقوق. فإذا كان لأحد أنْ يقول: لك كان في القرن السابع عشر، ثم تقدّم العلم، أو القانون، وأصبح أكثر موضوعية "فلأذكر أنّني -والكلام للدكتور جبور- كثيراً ما قرأت بعناية الأعمال المشتركة الضخمة دماك دوغال) ولاسويل) من كليّة حقوق جامعة ييل) الشهيرة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويعرفها حتماً كلّ من اختصّ منّا في العلوم الاجتماعية في أمريكا: لاكتشف أنّ المغزى العام لها هو محاولة المساواة بين سياسة أمريكا الخارجية وبين القانون الدولي: هذه تساوي ذاك وهذا يساوي تلك".
وبالطبع: تأخذ مسألة، هويّة العلم، أو قوميته، أبعاداً أدهى حين يغرق التلميذ من البلاد النامية، أو النائمة، في محاكاة المعلّم المتقدّم، فيصبح فهمُه له فهم التلميذ للمعلّم معياراً للحضارة أي التقدّم، ويصبح في فهمه له متعصباً لفكر المعلّم ومجتمعه إلى أبعد الحدود، حتى لكأنَّه يرى في هذا التعصب هويَّة له ضمن مجتمعه النامي الآخذ، وعلى نحوٍ كاريكاتوري عجيب يصبح المتعلّم فينا متعلّماً، بقدر ما يهدر من حقوق بلده باسم الالتزام بالقانون الدولي مثلاً، أو العلوم الاجتماعية، أو ما أشبه، ليدل بذلك على تميزه، ويغطّي كلّ مركّبات النقص فيه، ويجعل له هويّة مغايرة لكلِّ ما يحيط به".
ويذكر لنا المؤلف مثالين مشخَّصين من سوريّة ومصر، وهما في طليعة البلدان العربيّة تقدّماً علمياً فيقول: "ففي سورية أيّام قرار تقسيم فلسطين، ارتفعت في مجلس النواب لدى بحث ذلك القرار أصوات فقهاء في طليعتها صوت أستاذ في كلية الحقوق يُحذّر من مغبَّة عدم اعترافنا بقرار الأمم المتحدة -نعتذر عن ذكر اسمه لموته-.
وفي مصر حضر المؤلِّف قبل خمس عشرة سنة أو أكثر محاضرة فقيه كبير جداً، كان المؤلف يحلم أن يجلس معه. فإذا به يشن في محاضرته حرباً ضروساً على مفهوم حركات التحرر الوطني. نافياً هذا المفهوم من قاموس القانون الدولي، مستعملاً لغة تّكادُ لغة جون فوستر دالاس) بالمقارنة معها، تُعدُّ لغةً تقدميّة، فأمّا الفقيه الكبير فهو الدكتور وحيد رأفت، وكان يتكلم في الجمعية المصرية للقانون الدولي".
وعودٌ على بدء "وبتبسيط كبير، نجد في الساحة العربية لعلم السياسة:
1ً-اتجاهاً للعلم الأمريكي للسياسة، وهو اتجاه إمّا أنّه أتى جديداً لم يسبقه شيء، كما هو الحال في جامعات الجزيرة العربية والخليج العربي، والأردن، والسودان. أو نما على حساب العلم الفرنسي للسياسة الذي كان تطور في فرنسا ضمن كليات الحقوق، كما في جامعات مصر والعراق.
ثم إنّنا نجد اتجاهاً للعلم الفرنسي للسياسة في المغرب العربي.
إلاّ أنّ العلمَ الفرنسي الراهن للسياسة. إنّما هو في أساسياته ترجمةٌ فرنسيّة للعلم الأمريكي للسياسة، وهي الأقل شأناً بالمقارنة مع التأثيرات الأمريكية الفرنسية.
وأياً كانت هويّة العلم الغربي للسياسة، فهو قليلُ الوثوقية الدونمائية) منفتح على العملية البرغماتية) ومبشر مستمر بمفهوم الحرية، نتيجة ظروف تاريخية قديمة وراهنة. ولهذا يُعنى العِلمُ العربي للسياسة بشؤون تنظيم السلطة ومعارضتها على نحو خاص.
2ً-ثم إنّ في الساحة العربيّة لعلم السياسة اتجاهاً للعلم الماركسي للسياسة، له أثرٌ في عددٍ من أعمال علماء السياسة المصريين الماركسيين. والعلمُ الماركسي للسياسة وثوقيٌ مُبِّشر بمفهوم العدالة أو الاشتراكية. ويعنى عناية خاصة بالمراحل المتتابعة لتطوّر الطبقات وصراعها، وما يوازيها من مراحل على الصعيد السياسي. وبالطَّبع فإنّ جمع هويَّة جغرافية للعلم الغربي إلى هوية فكرية للعلم الماركسي لعلم السياسة، لا يُغطٍّي الحقل كلّه. ففي العالم الشرقي ثمّة لا شكّ انحصار بالماركسية قبل البريسترويكا) إلاّ أنّ لدى الغرب ماركسياته أيضاً.
ثم إنّ هذا الوجود المتزامن والمتواقت لمدارس فكريّة مختلفة في علم السياسة على الساحة العربية -غربية وماركسية -لم ينتج عنه بعدُ فهمٌ متبادل ... فكلُّ عالِمُ سياسةٍ منّا درس في الغرب، ميّال إلى نفي كلِّ علم سياسةٍ شرقي بعلّة دوغمائية.
وكلّ عالم سياسة منّا درس في الشرق، ميالٌ قبلياً إلى نفي كلّ علم سياسةٍ غربيٍ بعلّة بورجوازيته.
ومن الطريف أنّ مصر عبد الناصر، بتوجهاتها المعروفة، كانت غربيّة في علم سياستها كما كان يدرّسُ في جامعاتها، وأنْ سورية البعث بتوجهّاتها المعروفة، ما تزال إلى مدى كبير غربيّة في علومها الاجتماعية كما تُدرَّسُ في جامعاتها، رغم هيمنة الفكر القومي بوسائل تعبيره الكثيرة على الجوّ الأكاديمي العام... كذلك لا بد من أنْ أذكر أن محاولات جديّة جرت في السنوات الأخيرة، وما تزال تجري، أدخلت بها إلى العلوم الاجتماعية في الجامعات السوريّة المفرداتَ الماركسيّة.
في الساحة العربية لعلم السياسة ثمة إذن تبعية لتيارات غربية بشقّيها أوربية وأمريكية، تترك بصماتها واضحة على أدبيّاتنا. وليس هذا الوضع بالفريد في مجال دراساتنا الأكاديمية عامة، كما أنَّه ليس بالوضع الذي لا يمكن فهمه. إلاّ أنّ في الاستمرار فيه خطأ وخطراً ما بعدهما خطأ وخطر.
أ-فأمّا الخطأ: فعلميُّ، ووجه الخطأ فيه واضح؛ ذلك أنّ العلوم الاجتماعية، ولا سيمّا علم السياسة، إنّما هي علوم مجتمعات معينة، أو على الأقلّ علومٌ تتأثر بمجتمعات معَّينة هي المجتمعات التي انبثقت عنها، وما فيها من كليّة أي شُموليَّة، إنّما هي كليّة محدودة بموقع العالِم في مجتمعه في العالم.
يتبع
| |
|
نسمة أمل ~~~~~~~~~~~~~
عدد الرسائل : 8001 أوسمة ممنوحة : السٌّمعَة : 1 نقاط : -2 تاريخ التسجيل : 05/08/2007
| موضوع: رد: الفصل الأول البحوث والدراسات الفكرية والنقدية 2008-04-09, 11:24 am | |
|
ب-وأمّا الخطر: فقومي. إذ يصبح اختصاصُّينا مُغرِّباً) عن مشاكل أمته. أسيراً لأطر تفكيرٍ مفروضة عليه، ضمن ظروف معاشية مفروضة عليه.
وقد أحسن وصف هذا الخطر القومي الدكتور جلال أحمد أمين في كتابه المشرق العربي والغرب) ويمكن الرجوع إلى تفصيل جميل لهذه الفكرة في ذلك الكتاب.
إزاء هذا الوضع الذي نحن فيه، أقترح أن نتقدم خطوة أخرى إلى الأمام. فنضع علمنا العربي للسياسة متمحوراً حول موضوع واحد، هو الهوية القوميّة العربيّة، وما يشتق منها ممّا ينفيها، وهو الاستعمار والاستيطان الصهيوني الذي تتعرض له الأمّة العربية".
موضوع العلم العربيّ للسياسة
قضية القومية العربية ووحدتها حجر الأساس في العلم العربي للسياسة من منطلق قومي عربي بحتْ، بأنّ العرب أمّة واحدة، وأنّ الوحدة العربية هدف أساسي لهذه الأمة، وأنّ في المنطقة العربيّة من المحيط إلى الخليج نزوعاً إلى الوحدة العربيّة، وأنّ العمل لتحقيق هذا النزوع واجبٌ علمي وسياسي وقومي وإنساني؛ أجِدُ أنّ بحثاً جدياً في مسألة تحديد الهويّة هو حجر الأساس في العلم العربي للسياسة.
وأجد أنّ "في وطننا العربيّ" ما يشبه التوتر بين دعوة قومية عربية نابعة من حاجاتنا اليومية والسياسية والقومية، وبين علوم اجتماعية مستوردة، تبدو بعيدة عنّا في همومها، غريبة عنّا كمجتمع، وإنْ كانت قريبة من كلّ واحد منّا كفرد عاقل.
نقول: إنّه كان ثمّة ما يشبه التوتر بين الدعوة القومية، وبين العلوم الاجتماعية، وكان هذا التوتر ملاحظاً في، الموضوع، وفي الأسلوب:
أ-ففي الموضوع لم تركز علومنا الاجتماعية على مبحث الهويّة، وهو المبحث الأول في الدعوة القومية: هل نحن عربٌ؟ أم لا!
ب-وفي الأسلوب كان موئل الدعوة القومية الشخصيات والحركات والأحزاب السياسية، وكانت لغتها عموماً عاطفية، أمّا العلوم الاجتماعية فكانت الجامعات معقلها، وكان القيّمون عليها بالمفهوم العام، نخبة مستنيرة بعيدة عن السياسة، مترفعة عمّا يُدْعى بأهوائها... ونتيجةَ هذا الانفصام بين الدعوة القومية، والعلوم الاجتماعيّة، شهدنا إشكالات فكرية ربّما كان أجلى ما ظهرت به في معهد الدراسات العربية العليا الذي أسّسه في القاهرة المفكر القومي الكبير المرحوم الأستاذ ساطع الحصري"
ونحنُ اليوم كأمّة عربيّة "في وضع غير طبيعي كأمّة، من الواضح لدينا جميعاً، كما أظنّ، أنّ عُرانا كأمّة تتمزّق، وأنّنا إنْ استمررنا فيما نحن فيه، فقد يُعلن كلّ حي من أحيائنا نفسه أمة، وكلّ قرية قارة... وثمّ إنّ ما يعترينا من تمزق العرى ليس عرضياً، فإذا كانت الوحدة مطلبنا كدعاة وعاملين للوحدة العربيّة، فأنّ التجزئة مطلب أعدائنا، ورأس حربتهم المستوطنون الصهاينة.
والحقّ أنّنا إذا كنّا نريد وحدة عربية على أرض الوطن العربي، فإنّ أهمّ معوّق لهذه الوحدة، ليس الحدود السياسية القائمة بين البلاد العربية -فقد ثبت في تجربة الوحدة عام 1958 أنّه ليس من الصعب إلغاء هذه الحدود -بل المعوّق هو وجود كتلةٍ من المستوطنين الصهاينة في قلب هذا الوطن... ولو لم تكن هذه الكتلة من المستوطنين قائمة في قلب هذا الوطن العربي لأمكن التقدير بأنّ الأمّة العربيّة في مدّها الذي عرفته أيّام الخمسينيات. بمناهضة الاستعمار الغربي التقليديّ. لكانت مستطيعةً بناء وحدتها من نواة واحدة متصلة جغرافياً من بلاد الشام ومصر."
ولكنْ وللأسف الشديد "فإن المدّ العربي أيّام الخمسينيات، لم يستمرّ إلا سنواتٍ تحالفت فيها على الوحدة ظروف خارجية، استفادت من ظروف داخلية، بل واستثارتها".
ومن الجدير بالذكر أنْ ننوّه هنا إلى مد عربي آخر قبل مدّ الخمسينيات كان "في ثلاثينيات القرن الماضي، ومن لندن صدرصَكّ إعدام ذلك المدّ على النحو المعروف الذي تُجسّده وثائق دبلوماسيّة عديدة، أحراها بالتأمل تلك الكلمات القليلة التي خطّها بالمرستون) يوم 11/8/1840م إلى بونسي) مندوبه في إستامبول، يأمره فيها إخبار السلطان العثماني: أنّ الشعب اليهوديّ إذا عاد إلى فلسطين بموافقة السلطان وحمايته، وبناءً على دعوته، فسيكون هذا الشعب اليهودي حاجزاً ضد أيّة مخطّطات شرّيرة لمحمد علي أو خليفته... وبالطبع نعلم أنّ بالمرستون كان واعياً جداً لمغزى مجيء اليهود إلى فلسطين، ولم يكن أمر رسالته إلى ممثّله عابراً، ذلك أنّه منذ عام 1833م كما نعرف الآن، أعرب عن مخاوفه من قيام محمد علي بإنشاء مملكة تضمّ المتكلمين بالعربيّة".
والآن ونحن على أبواب القرن الحادي والعشرين "نرى الشكل الجغرافي السياسيّ الذي حلم به بالمرستون) قبل قرن ونصف -ونيّف- نراه واقعاً مهيمناً كأقوى ما تكونُ الواقعية المهيمنة... وليت الأمر وقف عند هذا الحد، ذلك أنّ أولئك الذين شعروا بأنفسهم من منطلق تكلمهم العربيّة. مادة موحّدة لدولة عربية، أخذوا يبعثرون ممالك ودولاً ومشيخاتٍ، ويبعثرون لهجات وقوميات. حتى انتهى شأننا، وسوء حالنا، إلى المادة السادسة من معاهدة السادات -بيغن، التي تجعل التزام مصر بكيان المستوطنين الصهياينة متقدّماً على التزام مصر مع أيّة دولة عربية أو أجنبية.
بحثُ الهويّة إذن، مرتبط ارتباطاً عضوياً بمناهضة الكتلة الاستيطانية، فيما إذا كنا مستقرين على أنّ هويتنا الأساسية هي أنّنا عربٌ؟! فإذا لم نكن متفقين على أنّ هويتنا الأساسية أنّنا عرب، بل هي هويّات قطرية؛ مصرية، سوريّة. فلسطينية وغيرها.. ومعنى ذلك انتفاء ارتباط الكتلة الاستيطانية بالهويات القطرية ارتباط إعدام متبادل، وصيرورتها مرتبطة ارتباطاً حيادياً ولنقل: ارتباط تجاور جغرافي عادي) بل وربما أيضاً ارتباطاً تكاملياً بالهويات القطرية".
ونحن نعلم بل وعلى يقين جميعاً، أنّ هذه هي الفلسفة الأساسية لكامب ديفيد) مخيم داود والمعاهدة المنفِذة لها".
وضمن هذا النظام من الأفكار عدم تحديد الهويّة، والقطريات، ونصوص كامب ديفد) تصبح جامعة الدول العربية، من حيث هي جامعة للعرب ضدّ الصهيونية شيئاً من الماضي.. ويصبح مطلوباً إقامة جامعة للدول العربية ينصّ ميثاقها على السلم مع إسرائيل، بالنحو الذي نسب إلى أحد المسؤولين المصريين. وهو الدكتور بطرس غالي. يوم كان وزيراً للدولة للشؤون الخارجية، في مقابلة مع مجلة آخر ساعة) الأسبوعية المصرية بتاريخ 16/5/1984.
وبمقتضى هذا النظام من الأفكار أيضاً لا يعود ثمَّة قضيَّة عربية بمواجهة إسرائيل، بل يصبح الموضوع قضية فلسطينية محضة بمواجهة إسرائيل، وهي قضية من المحتمل أنّها خاسرة، إذ لا أمل لها بنصر عسكري، ولا بتوازن استراتيجي، بل جلّ ما تستطيعه الاستجداء" ومع احترامي العميق، وتقديري الشديد لجيل الحجارة الذي يشكّل ربّما ظاهرة الأمل الوحيدة على امتداد الوطن العربي الكبير الممزّق، فإنه سيقع في فخٍ لا قدرة له على الفكاك منه.
إنّ هذا القول "لا يعني بالبداهة صحّة القول المناقض، وهو أنّ القضيّة العربية ككل، ليست خاسرة بمواجهة إسرائيل... فأساطين الفلسفة الساداتية يتقوّلون بأنّ القضية العربيّة برهنت بنفسها أنّها خاسرة خلال أربعين عاماً ونيفاً من الصراع العربي الصهيوني، لذلك حسب زعيمهم لا بدّ من اللجوء إلى تجزئة القضيّة، طمعاً في الربح!!!.
"نحن إذن، لا نقول أنّ القضية العربية كهوية واحدةٍ أصيلة، ضدّ هوية دخيلةٍ ليست بالضرورة خاسرة. فثمّة ظروف دولية لاهيمنة لنا عليها تفعل بالمنطقة. ولكنْ من الواضح أنّ احتمال خسارتها هو دائماً أقلّ من احتمال خسارة القضيّة الفلسطينية بمواجهة إسرائيل... ففي التمسّك بهويّة عربية واحدة أملٌ يرتجى في مناهضة الكتلة الاستيطانية. وفي الحسّ العام. كما في التحليل العلميّ، ثمّة ثابتٌ أساسي؛ هو أنّ إدارة عمليّة الصراع العربية ضدّ الصهيونية، إنْ تمّت بمقدرة وعلم، فهي كفيلةٌ بتحجيم إسرائيل كخطوةٍ أولى تمهيداً لخطوات تالية".
من كلّ ما سبق يتبيّن لنا " أنّ القول بهويّة عربية، مرتبطٌ ارتباطاً عضوياً بمناهضة الكتلة الاستيطانيّة. يكوّن لدينا من منطلق بحث الهويّة اتجاهين هما:
أ-اتّجاهٌ إيجابيّ يرى في الوحدة العربية هدفاً.
ب-واتجاهٌ سلبي يرى في مناهضة الكتلة الاستيطانية سبيلاً للوصول إلى الهدف".
| |
|
نسمة أمل ~~~~~~~~~~~~~
عدد الرسائل : 8001 أوسمة ممنوحة : السٌّمعَة : 1 نقاط : -2 تاريخ التسجيل : 05/08/2007
| موضوع: رد: الفصل الأول البحوث والدراسات الفكرية والنقدية 2008-04-09, 11:25 am | |
|
خلقُ العلم النافع
إنّ ما نقصُدُه من خَلْقِ العلم النافع هو تثبيت دور أقسام العلوم السياسيّة في جامعاتنا وكلياتنا في دراسات الاستعمار الاستيطاني المقارن "دورٌ تتشارك به مع أقسام وكليات أخرى، مثل أقسام التاريخ، والفلسفة، وعلم الاجتماع، ومثل كليّات الحقوق والتربية، والاقتصاد وغيرها. فمجال دراسات الاستعمار الاستيطاني أوسع من أنْ يشمله حقلٌ أكاديمي واحد".
ولتوضيح مفهوم الاستعمار الاستيطاني يقول الدكتور جبور في كتابه: "إذا عدّدنا الصراعات العالمية الكبرى، فلنْ نستطيع إلاّ أنّ نضع في عدادها الصراعين في كلّ من الشرق الأوسط، وجنوب أفريقيا- وإنّ انتهى هذا الصراع الأخير لصالح السكان الأصليين- وإذا أمعنّا النظر في تكييف كلّ من هذين الصراعين لوجدنا أنّ تكييفها واحدٌ، فهما ناتجان عن الوجود الحاكم لحوالي ثمانية ملايين من السكان الغرباء عن المحيط الذي يحيط بهم، نصفهم الأقل في فلسطين والأراضي العربيّة المحتلّة، ونصفهم الأرجح فيما يدعى جمهورية جنوب أفريقيا.
ونقصد بتعبير غرباء عن المحيط الذي يحيط بهم "مجموعة أمور تخصّ الوضع الاجتماعي، الاقتصادي والسياسي الراهن. ولا نقصد بالضرورة أنْ نخوض في بحث تاريخي أتقنهُ الصهاينة والبربر أكثر ممّا أتقنه العرب والأفريقيون؛ عمّن أقدمُ العربُ أم الصهاينة؟ الأفريقيون أم البربر؟ في كلٍ من فلسطين وجنوب أفريقيا؟!
هذه الغربة عن المحيط) هي التعبير المفتاح لجملة مظاهر متفاعلة ينجم عنها نمط موحّد من السلوك نشهده في التوضّعين الاستيطانيين؛ الصهيوني والأبيض، بمواجهتهما المحيطين العربي والأفريقي".
ويضربُ لنا المؤلف الدكتور جبور بعض الأمثلة لجملة من المظاهر المتفاعلة بين هذين النظامين -هذا قبل إزالة التمييز العنصري -فيقول: إنّ لهذين التوضعين الاستيطانيين- إلى جانب غربتهما عن محيطهما، وهي غربة تنبثق عنها العنصرية بالضرورة -قدرة ذرية لا يمارى بها، بل وتحالفاً ذرياً يبلغ مرحلة التكامل الذريّ، يغطي كلّ الامتداد العربي الأفريقي -ذلك قبل انتصار الحركة الوطنية وتسلّم مانديلا الحكم -بل ويمكن القول: إنّه ما من دولتين في الامتداد العربي الأفريقي تتبادلان الحبّ فيما بينهما، وإنّ يك سرّياً في كثير من الأحيان بناء على رغبة إسرائيل، لأنّ نظام الأبارتايد) الفصل العنصري عدو مشرع لكل أفريقيا ولمعظم الإنسانية بالقدر الذي يتبادل فيه الحب التوضعان الاستيطانيان في فلسطين وجنوب أفريقيا.
ولدينا من الشواهد -بعد أن عصفت رياح التغيير في جنوب أفريقيا- ما يثبتُ أنّ أكثر الدول اهتماماً في الامتداد العربي الأفريقي، بالمصير المحتم للفصل العنصري بعد الدول الأفريقية المحيطة بجنوب أفريقيا، هم الصهاينة.. إنّهم يرون في المصير المحتم للأبارتايد) إشارة حزينة إلى مصير لهم محتمل يحاولون تجنبه، ويجدون في خلق الظروف الموضوعية التي تساعدهم على تجنبه.
ولاقتراح العلم النافع، أهداف ثلاثة هي: علمية، وقومية، وإنسانية.
أ- ويتمثل الهدف العلمي: في تطوير علم السياسة في العالم باتجاه مراقبة ظاهرة هامة، هي ظاهرة التفاعل بين توضع إستيطاني مرفوض أساساً، بمواجهة محيط رافض أساساً. نقول أساساً) لأن ثمّة ظواهر قبول بالتوضع الاستيطاني، رغم محدوديّتها، وتتمثّل هذه الظواهر في اتفاقيتي كامب ديفد، وفي معاهدة أنكوماتي بتاريخ 16/3/1984 التي أطلقُ عليها اسم اتفاقية كامب ديفد الأفريقية)... ويقود هذا العلمُ عادةً إلى استخلاص أسس وقواعد وقوانين ترسي ما أسميّه بعلم الاستعمار الاستيطاني المقارن).
ب-أمّا الهدف القومي: فهو يخص أدبياتنا القوميّة، والنظام الأساسي للجمعية العربية للعلوم السياسيّة التي تنصّ على مناهضة الصهيونية والوجود الصهيوني، لترسيخ مقولة النظام الصهيوني بأنّه نظام عنصري في كل أدبيات وأفكار العلم الغربي، إذْ أنه لا يوصف بالعنصرية إلاّ من قبل العالمين الإشتراكي، والأفرو- أسيوي... ويتابع الدكتور جبّور قوله، لهذا يحدو بنا نحن الاختصاصيين العرب في العلوم السياسية، ومعظمنا تتلمذَ رسمياً في أوربا الغربية، وأمريكا الشمالية، ومن منطلق قومي ولن نخجل كمتحمسين للعلم من منطلقنا القومي العربي، بل على العكس، إلى مضاعفة الجهد لكي نخلق علماً ينفعنا في معركة مصيرنا القومي، علماً مستحقاً valid) كعلم يثبت أنّ التوضع الاستيطاني الأبيض في جنوب أفريقيا -سابقاً- لا يزيد عنصريةً عن التوضع الصهيوني في فلسطين، بل حقاً ينقص عنه.
ثم يعقب الدكتور جبّور على هذه النقطة قائلاً: وكلّي يقينٌ أنّنا إنْ لم نفعل ذلك فسيكون التغريب Alienation فعل فينا كلّ فعله، فأخذ منّا أنفسنا، وملك علينا عقولنا، وتركنا نلهث وراء بريق الحداثة العلمية الغربية واتجاهاتها، وما تدّعيه من حياد علمي، إزاء المصالح القوميّة، نلهث ولا نصل، لأنّ هدف اللعبة التي اخترناها، أو اخترنا أن نعمل ضمنها: هو أنْ نلهث ولا نصل، وأن نظلّ في حالة ترقب الجائع إلى بُلْغةِ خبز حديث وحضاري) تأتيه مغلفة بغلاف أنيق براق، فينشغل عن جوعه بأناقة الغلاف وبريقه.
جـ-وأمّا الهدف الإنساني فواضح، بل هو الأوضح بين ما عدّدنا من أهداف، بخلقنا علماً ينفعنا نحن العرب، هو علم الاستعمار الاستيطاني المقارن... فنسهم ليس فقط -إذ نوحّد الجهد العربي مع الجهدين الأفريقي والإنساني المناهضين للعنصرية- في تسريع ما يراه كثيرون قدراً محتوماً لكيانين شاذين، بل سندعى إلى مائدة إلاهية من باب أعرض".
ما تشهده فلسطين، يضع على عاتقنا تقديم نظرية ضخمة عن المسألة اليهودية، أو ما عرفت بالألمانية باسم البودن فراغي) عبر التاريخ وحتى الآن... نظرية متفتحة إنسانية الطابع، عالمية بعيدة عن التعصب الطائفي والديني، بريئة ممّا أتت به مغامرة هرتزل) الصهيونية في فلسطين من آثام، وما سببته من آلام، بذريعة حلّ المسألة اليهودية).
هذه النظرية الضخمة عن المسألة اليهودية ستكون بالضرورة العالمية ناتجاً إضافياً Be product) لعلم الاستعمار الاستيطاني المقارن، ناتجاً إضافياً إذا أحسنّا صُنعه، فسنزوّد العلم في العالم على نحو ما كانته دائماً أرضنا المشعة بالنور.
وفي المجال العمليّ كان للجمهورية العربية السوريّة السبق لإنشاء مؤسسة لدراسات الاستعمار الاستيطاني، جاء على شكل اقتراح إلى جامعة الدول العربية في 20 يناير1971 مقدّم من السفارة السوريّة بالقاهرة تحت رقم 20/6/14 وس. وقد عممتهُ جامعة الدول العربية على وزارات خارجية الدول العربية بموجب المذكرة قم 531، وممّا قالته هذه المذكرة: وتتشرّف... المتضمنة اقتراحاً بإنشاء مؤسّسة دراسات الاستعمار الاستيطاني، و مرفقاً بها دراسة مبدئية في الموضوع وصنعت بمعرفة معهد بحوث رئاسة الجمهورية في دمشق.
وتشكّلت إثر ذلك في الأمانة العامّة لجامعة الدول العربية لجنة تضمّ ممثلين من الإدارات السياسية والإعلام والثقافية وشؤون فلسطين، لدراسة الموضوع... وتوصّلت اللجنة إلى توصيات تؤيّد وجهة النظر السورية في هذا الموضوع.
وجاء في الصفحة الثانية والسبعين من كتاب الدكتور جورج جبور نمو علم عربي للسياسة" الذي نحن بصدد تحليله والقاء بعض الضوء عليه، حيث
يجدُ الباحث المتقصّي، نص المقترح الذي قدّمه وفد الجمهورية العربية السورية لجامعة الدول العربية لإنشاء مؤسسة لدراسة الاستعمار الاستيطاني.
وبناء على كلّ ما سبق، لا يتردّد المؤلف عن الجزم في القول: إنّ العلم العربي للسياسة -موضوع دراستنا- أساسه علمان:
أ-علمُ الوحدة العربية.
ب-وعلمُ الاستعمار الاستيطاني.
وهما مترابطان فعلاً في الساحة العربيّة... ولأنّ السياسة تعريفاً هي ما هو كبيرٌ من مسائل تتعلّق بمصير الأمّة ووجودها، لا يتردّد المؤلّف في القول: إن العلم العربي للسياسة الذي يقترحه، إنما هو علم على أتم الإنسجام مع التعريف الذي وضعناه للسياسة "فليس ثمّة في الساحة العربية أكبر من هاتين المسألتين:
1-مسألة الوحدة العربية.
2-ومسألة الاستعمار الاستيطاني.
وهكذا، فلا بدّ إنْ أردنا التقدّم، والجدّ في الدعوة القوميّة، من إعداد جيلٍ من علماء المجتمع العربي، وفي طليعتهم علماء السياسة... جيل يجعل من الهمّ القوميّ هماً أولاً، يعرفُ مجتمعه، ويهتمّ بفهمه، لا تثبيتاً له، بل تغييراً وبناءً أفضلَ له.
فتتتلمذُ على أيديهم أجيالٌ تنتفع بهديهم، وينتفعون بعلمهم... وقد قال النبي العربي صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم، انقطع ذكره إلاّ من ثلاث؛ ولد صالح يدعو له، وصدقة جارية، وعلم ينتفع به الناس".
فسلامٌ عليكم يوم تنشئون، ويوم تربّون، ويوم تعلّمون علماً ينتفع به الناس... اللهم اشهدّ، فقد نقلت وبلّغت، وإلى اللقاء في غدٍ مشرق عزيز ووحدةٍ عربية مؤزرة.
يتبع
| |
|
نسمة أمل ~~~~~~~~~~~~~
عدد الرسائل : 8001 أوسمة ممنوحة : السٌّمعَة : 1 نقاط : -2 تاريخ التسجيل : 05/08/2007
| موضوع: رد: الفصل الأول البحوث والدراسات الفكرية والنقدية 2008-04-09, 11:27 am | |
|
قدمت كمحاضرة في المركز الثقافي العربي بدرعا بحضور المؤلف الدكتور جورج جبور ثم أعيد إلقاؤها في المركزين الثقافيين بإزرع والصنمين.
النقد(1) criticism
النقد وفي المصطلح: هو نقد أو انتقاد الكلام لإظهار ما به من العيب... وبيان ما يحويه من نفيس المعاني. والناقد: اسم فاعل من الفعل الثلاثي نقد، يقوم بأداء فعل النقد... والناقد صيرفي يُميز جيّد القول من رديئه. والنقد في مفهومه الدقيق هو الحكم judgement.
فكما المعادنُ الثمينة تحتاج إلى صيرفي يميّز جوهرها من خبيثها، أو عن خبيثها، والذهب بحاجة إلى صيرفي يبين نسبة الذهب في السبيكة، وعياره فيها، كذلك الأدب، إذاً فالناقد صيرفي يبيّن لنا غَثّ الأدب أو الفنّ من سمينه. وإلاّ بقي مادة خاماً حتى يأتي الناقد بأداته "النقد" ويكشف لنا جوهر الأدب، ويحدّد لنا قيمته الفنية.. ولولا النقد والناقد لا ندثر الأدب وكثير من الفنون الأخر كالرسم والتصوير والموسيقى والنحت وغيرها فرسم الموناليزا في لوحة الجوكندا لليوناردو دافنشي 1452-1511م) ما كانت لتخلد على مرّ العصور، وتتجدّد على طول الزمن، لو لم تقع عليها عينا ناقد فنّانٍ، فيعلن على الملأ أنّ أجمل منظر في الدنيا هو منظر امرأة جميلة تتألّم، وكأنّه همس في أذن الوجود ليمنحها الخلود!!
ثم ماذا كان مصير ذلك التراث الشعري العظيم. وتلك النماذج الشعرية الرائعة، التي تركها لنا العصر الجاهلي لو لم تأت عينا ابن سلاّم الجمحي، وخلفٍ الأحمر وابن رشيق القيرواني فتطلعنا على الكنوز المخبوءة فيها؟!... وبعد:
فالنقد الأدبي في أدقّ معانيه: هو فنّ دراسة الأساليب وتمييزها، أقصدُ هنا الأساليب بمعناها الواسع "منحى المنشئ الأدبي العام، وطريقته في التأليف والتعبير، والتفكير، والإحساس، وطرق أدائه اللغوية"
وأساس النقد الأدبي التجربة الشخصية، ولا بد أنّ يبدأ بالتأثر، والذوق الشخصي، والتجربة المباشرة.
هذا تعريف موجز للنقد في العربية... فما هي مشكلاته، وأزماته؟
مشكلاتُ النقد العربي
عانى، ويعاني النقدُ العربيّ حتى الآن من مشاكل أربعٍ، كانت كلّ منها ضارة جداً. إنْ لمْ نقل قاتلةً، وهي:
الأولى... مشكلة النقد المثالي: ... أي الذي يقوّم العمل الإبداعي وفق مثالٍ وُجدَ قبلاً.
-فمعيارّية الحكم هي إذاً "قبليّةٌ" ثابتةٌ وخالدة.
-وهي بالنتيجة تُلغي ذاتَ المبدع لصالح "إطلاقاتٍ" قيميّةٍ، لاصلة لها بالواقع في حدود انكشافاته، وقدرة المبدع على تمثّله. وإعادة خلقِه فنيّاً وبأدواتهِ المخصوصة.
الثانية... مشكلة ما يسمّى لدينا "بالنقد الواقعي": سواء تسمّى بالنقديّ، أو الاشتراكي، أو سواهما.
-والذي قوّم ويقوّم العمل الإبداعيّ وفق معياريّة بنت أحكامها القيميّة، على تقدير. وتصنيف مُسبقين لـ"الحدثي المباشر" وينظر إلى هذا العمل على أنه "الكل" الذي هو مركبُ الواقع.
-فهي بذلك تلغي التاريخ وأصوله المتأصّلة المتوارثة، من المركّب... وتراه وفْقَ مثالٍ مُحدّدٍ كمقولاتٍ في أيديولوجيا، انتزعت منها "كليشيهاتها" أو بعضُها. وقدّمت لنا على أنّها نهايةُ المعرفة.
-ولأنّ مثل هذه "المعرفة" المنتقاة من كتبٍ -لا تستطيع أن تعترف إلاّ بذاتها، إذ يكشفُ أوّل اعتراف أو حوارٍ مدى بؤسها، فإنّ النقد المتشكّل منها لا يستطيعُ بتاتاً أنْ يعترف بفرديّة المبدع. أو ذاتيّة إستيعابه وتمثّله للعالم وتعبيره عنه. ولا يستطيع هذا النقدُ أنّ يعترف إلاّ "بوصفته" الخاصة للإبداع.
-ونحنُ هنا أمام ميتافيزيقيا "غيبيّات" من لون جديدٍ، ولكنه يبدو واقعاً على الطرف النقيض من اللون السابق "النقد المثالي".
-ولقد قُدّم لنا هذا الشكل من النقد على أنّه ممارسة لـ "الماركسية في الأدب"، غير أنّه كان في الحقيقة بعيداً جداً عن ذلك... ولم يكنْ غير الولد الهجين للنزعة اللاهوتية المذهبيّة العربية وهي تحاول أنْ تتمركس!.
الثالثة... مشكلة "النقد النفسي" الذي يقوّم العمل الإبداعيّ بما هو حال شطْح مِنْ أحوال "ذاتانية" المبدع.
-إنّ ذاتية المبدع في معياريّة هذا اللون من النقد ترى من حيث هي وجود مطلق أي غيرُ مشروط إلاّ بلحظته... فهو على هذا يكادُ يكونُ خارجَ أُطرِ الزمان والمكان في لحظةِ ممارسةِ فعلِ الإبداع.
-إن هذا اللون من النقد لم يقم على استيعابٍ متمكنٍ لمدارس علم النفس المختلفة ومناهجها وأساليبها... بل هو في حقيقته خلط رديء من الإشراقة الصوفية- أو ممّا التُقط منها التقاطاً مبتذلاً -ومن ملتقطاتٍ تراثية ولاهوتيةٍ، وملتقطات غربيّةٍ حديثة ومتنافرة.
الرابعة... مشكلةُ "النقد الأخلاقي أو الديني" الذي يُقوّم العمل الإبداعيّ على أنّه عملٌ أخلاقي. وفق معياريّة نفعيّة مقدّسة. مسبقة الصنع مسكونة لا يجوز مساسها أو خدش قدسيّتها.
-فهي بذلك تسجِنُ ذاتَ المبدع، بل تعدِمُها، لصالح إطلاقاتٍ قيميّةٍ إرهابية.
-هذا عدا عن أنّها جامدةٌ ثابتة مقدّسة، محرّم المساس بقدسيّتها، فإنّه لا صلة لها بالواقع، لا في حدود انكشافاته الحالية ولا المستقبلية.
-ولا في الموائمة بين قدرات الفنّان المتغيّرة، والمتلوّنة تبعاً لمعتقداته.
***
أخطاء هذه المشكلات النقدية...
أولاً: إنّ خطأ النقد المثالي أنّه يريد الأدب "دنيّاً" خاضعاً لروائز مسبقة الصنع.
ثانياً: وخطيئة النقد الواقعي أنّهُ يريد مبحثاً رياضياً يستخدمُ لغةَ الخطاب الأيديولوجي والسياسي، وقمعياته.
ثالثاً: وخطيئةُ النقد النفسي الصوفاني. أنّه يريدُ رؤية الأدب "حدساً" تلفيقياً مُقيماً إلى الأبد في الفردانية المنغلقة.
رابعاً: وأمّا خطيئة النقد الأخلاقي أو الديني، فهي أنّها تقف من مبدعات الفنّ موقف القاضي أو الناصح. ومطالبة الفنّ أن يغلّ غلّة، أو ينتج ريعاً يقربُكُ أو يبعدكَ وإلى الأبد عن نارٍ أو جهنم متخيلة.
يتبع
| |
|
نسمة أمل ~~~~~~~~~~~~~
عدد الرسائل : 8001 أوسمة ممنوحة : السٌّمعَة : 1 نقاط : -2 تاريخ التسجيل : 05/08/2007
| موضوع: رد: الفصل الأول البحوث والدراسات الفكرية والنقدية 2008-04-09, 11:28 am | |
|
أمّا الأدبُ أو الفنّ أيها السادة، المعروض على النقد:
فهو بصورة عامة زينة "وتحفةٌ باذخةٌ فحسب، كآنية الوردِ التي تستريح على منضدتي، لستُ أرجو منها أكثر من صحبةِ الأناقة وصداقة العطّر".
الأدبُ أو الفنّ يحيط بالوجود كلّه، وينطلقُ في كلّ الاتجاهات... فترسم ريشته المليح والقبيح، وتتناول المترف والمبتذل، والرفيعَ والوضيع.
ويخطئ الذين يظنون أنّ الفن خطٌ صاعدٌ دائماً، لأنّ الدعوة إلى الفضيلة ليست مهمة الأدب أو الفنّ، بل مهمةُ الأديان وعلم الأخلاق... وأنا أُومن بجمال الصبحِ. ولذّة الألم، وطهارة الإثم، فهي كلّها صحيحةٌ في نظر الفنّان.
تصوير مخدع مومس، وارد في منطق الفن ومعقول، وهو من أسخى موضوعات الفن وأغزرها ألواناً... أمّا المومس من حيث كونُها إناءً من الإثم، وخطأ من أخطاء المجتمع، فهذا موضوع آخر تعالجه المذاهب الاجتماعية وعلم الأخلاق".
يقول كروتشه الفيلسوف الإيطالي المعروف في كتابه "المجمل في فلسفة الفنّ" في نقده للمذهب الأخلاقي في الفن: "إنّ العملَ الفنيّ لا يمكنُ أن يكونَ فعلاً نفعياً يتّجه إلى بلوغ لذّة أو استبعاد ألم، لأنّ الفنّ من حيثُ هو فنٌ لا شأن لهُ بالمنفعة"(2) ):
وقد لوحظ من قديم الأزمان أنّ الفن ليس ناشئاً عن الإرادة... ولئنْ كانت الإرادة قوامَ الإنسان الخيّر، فهي ليست قوامَ الإنسان الفنّان.
(1) النقد كما جاء في معجم لسان العرب لابن منظور المصري، مادة نقد، باب الدال، فصل النون 425/3: النقد خلاف النسيئة- والنقد والتنقاد: تمييز الدراهم وإخراج الزّيف منها.
وجاء في معجم محيط المحيط لبطرس البستاني باب النون فترتيب الحرف الثاني فالثالث صفحة 911، نقد الدراهم وغيرها ينقدها نقداً وتنقاداً: ميّزها ونظرها ليعرف جيّدها من رديئها... والنقد في الدارج: العملة المتداولة
(2) -مقدمة طفولة نهد للشاعر نزار قباني نقلاً عن كتاب المجمل في فلسفة الفن للفيلسوف الإيطالي كروتشة مطابع دار الكتاب بيروت 1961.
تتمة
منقول للفائذة
تقبلوا مني فائق التقدير و الاحترام
| |
|